بين الانتقام والدّعوى… انتصارٌ مشروطٌ لنسرين شاهين على عباس الحلبي
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
متسلّحةً بالحقّ والقانون، سجّلت رئيسة اللّجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التّعليم الرّسمي الأساسي نسرين شاهين هدفًا نظيفًا في مرمى وزير التّربية والتّعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، فغيّرت مجرى المباراة لصالحها، وحوّلت نتيجة الشّوط الأوّل الثّابتة منذ نحو شهرين، إلى تعادل 1-1.
فشاهين، الأستاذة المتعاقدة منذ 10 سنواتٍ، والمناضلة التّربويّة الّتي صدح صوتها في السّاحات وعلى المنابر، دفاعًا عن حقوق الأساتذة واحتجاجًا على الممارسات الكيديّة والتّعسفيّة بحقّهم، اهتزّت شباكها بهدفٍ موجعٍ على مستوى وزاري. ففي 3 تشرين الأوّل 2022، تبلّغت شاهين من إدارة مدرسة شكيب أرسلان الرّسميّة في بيروت حيث تَعمل، قرار الحلبي القاضي بعدم تجديد التّعاقد معها للعام الدّراسي 2022- 2023 والأعوام اللّاحقة، لـ “انتفاء الحاجة إلى خدماتها”؛ وتاليًا فصلها من التّعليم.
لا شكّ أنّ هذا الكتاب الّذي وجّهه الوزير إلى المدير العام للتّربية، لم يكن وليد اللّحظة، بل نتيجة تراكماتٍ ومشاحناتٍ بين الجانبين. وتشرح شاهين لـ”هنا لبنان”، أنّ “مشكلتنا مع العمل النّقابي في لبنان هي أنّ الرّوابط بمعظمها مسيّسة وتتأثّر بالاتّصالات السّياسيّة، ويبدو أنّ وزير التّربية لم يعتد على روابط أخرى غير خاضعة وتواجه”.
وتشير إلى “أنّني في الفترة الأخيرة، أثرت مرارًا موضوع الـ37 مليون دولار أميركي الّتي خصّصها البنك الدّولي كحوافز ماليّة لمعلّمي المدارس الرّسميّة في لبنان نهاية العام الماضي، وإلى حدّ اليوم نصف الأساتذة لم يتلقّوا الجزء المستحقّ لهم منها. فأين هذه الأموال؟ ولماذا لا توجد منصّات شفّافة تكشف طريقة توزيعها؟” وتذكر “أنّني اعترضت أيضًا على ملفّاتٍ ماليّةٍ وقراراتٍ عدّةٍ اتّخذها الوزير”.
وتوضح شاهين، أنّ “في أحد الاجتماعات، خيّر الحلبي الأساتذة بين فكّ الإضراب والعودة إلى التّدريس، أو سحب المساعدات والوعود الّتي قطعها. غير أنّني واجهته واعترضت على هذه الخطوة، وقلت له إنّ علينا العودة إلى الأساتذة قبل اتّخاذ القرار”.
وتكشف أنّ “بعدها، بات الحلبي يستبعدني عن الاجتماعات الّتي يعقدها مع الأساتذة، لا بل منعني من الحضور”، مبيّنةً “أنّني عندها بدأت بطرح كلّ المواضيع الشّائكة في الإعلام، والمطالِب بمنصّاتٍ شفّافةٍ لكلّ ما يتعلّق بالأموال والتّقديمات”.
وعلى الرّغم من أنّ البعض يَعتبر أنّ شاهين تشنّ حملاتٍ ضدّ الوزير المذكور وتطلق اتّهاماتٍ شخصيّة ليس لها علاقة بمطالب الأساتذة أو بالعمل النّقابي، إلّا أنّها تضع تدبير الحلبي في إطار كمّ الأفواه والانتقام منها، وتصفه بأنّه “عملٌ كيديٌّ، غير مبنيٍّ على تراتبيّةٍ إداريّةٍ، كما يبدو أنّه كان محضّرًا سابقًا، لأنّه موقّع من الوزير بتاريخ 29 آب 2022؛ في حين أنّني استلمته في تشرين يوم بدء العام الدّراسي”.
قرار الحلبي المشبوه الّذي يُعَدّ سابقةً في لبنان، خلق ارتباكًا في صفوف الأساتذة والمتعاقدين وحتّى النّقابيّين، واستُتبع باعتصامٍ واستنكاراتٍ، وبدعوى قضائيّةٍ تقدّم بها عددٌ من محامي الدّائرة القانونيّة لـ”روّاد العدالة” في 14 تشرين الأوّل الماضي، أمام مجلس شورى الدّولة، بوكالتهم عن شاهين؛ وذلك طعنًا بالقرار. وأوّل من أمس الخميس، حَكم المجلس لصالح الأستاذة المتعاقدة وأبطل قرار الوزير.
تعليقًا على هذا التّطوّر، ترى شاهين أنّ “قرار مجلس شورى الدّولة أثبت أنّه لا يزال هناك قضاةٌ نزيهون وشريفون، على الرّغم من أنّه لم تَعد لدينا ثقة بالقضاء بشكلٍ عام”، مؤكّدةً أنّ “وزير التّربية قال حرفيًّا إنّني أحرّض الأساتذة، وهو مارس نوعًا من التّرهيب عليهم، وهدّدهم بأن يلقوا مصيري، إلى درجة أنّهم “ما عادوا يسترجوا يحكوا شي”. بالتّالي هذا القرار حرّرهم”.
وعن موعد عودتها إلى التّدريس، تلفت إلى أنّه “تمّ إبلاغنا بقرار مجلس شورى الدّولة، لكنّنا لم نستلم الكتاب الرّسمي بعد، بسبب عدم تواجد القاضي. يوم الثلاثاء المقبل، سيسلّم المجلس الكتاب إلى محامي “روّاد العدالة” الّذين يستلمون القضيّة، وسيُسلّمونه بدورهم إلى وزارة التّربية والتّعليم العالي”.
وتشدّد شاهين على أنّه “بحسب التّراتبيّة القائمة، لا يمكن لأيّ مدير مدرسةٍ أن يأخذ قرارًا بإعادتي إلى التّدريس، استنادًا إلى قرار مجلس الشّورى فقط. لذلك، هذا القرار يجب أن يمرّ بوزير التّربية، الّذي عليه إصدار قرارٍ بالتّراجع عن قراره السّابق المتعلّق بفصلي”. وأعلنت “أنّنا سننتظر لنرى ما إذا كان الحلبي سينفّذ القرار ويرسل تعليماته إلى المدرسة لإعادتي إلى عملي، أم أنّه لن يقبل به؛ وساعتئذٍ سنتّخذ إجراءاتٍ قانونيّة جديدة”.
إذًا، انتصار شاهين وفوزها في المباراة الطّويلة ضدّ الحلبي، مشروطٌ بموافقة الأخير على القرار القضائي. لكن في كلّ الأحوال، تبقى حقوق الأساتذة ومطالبهم المشروعة فوق كلّ الخلافات والمناكفات. فهل من حلولٍ ستسمح لمدرّسي الأمّة أن يعيشوا بكرامةٍ في وطنهم؟ أم أنّ ما سيُقدَّم لهم سيقتصر على الوعود وبعض المساعدات الخارجيّة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |