الدولار الجمركي من دون ضوابط ومراقبة: الإقتصاد الأسود يزدهر والشرعي ينهار
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
“الدولار الجمركي” همٌّ آخر دخل إلى حياة اللبنانيين اليومية بعد أن تقرّر رفع سعره إلى 15 ألف ليرة بدءاً من الأول من كانون الأول المقبل. ما من شأنه، إذا لم يترافق مع رقابة فاعلة على الأسعار، أن يشكل ضربة قاضية لقدرة اللبنانيين الشرائية. خصوصاً أنّ التجربة أظهرت أنّ أكبر المستفيدين من الإجراءات الترقيعية بلا أي خطة إصلاحية شاملة، هم التجار الذين خزّنوا البضائع إضافة إلى المحتكرين والمهربين.
وإذا كانت السلطات تعوّل على الإيرادات التي ستقوم بتحصيلها بعد رفع سعر الدولار الجمركي، فهل أخذت بعين الاعتبار التهرب والتهريب عبر المعابر الحدودية ومرافئ الدولة الشرعية ما سيضرب القطاع الشرعي ولن يدخل إلى الدولة أي مال أو ربح، ما يعزز ويشجع في المقابل الاقتصاد غير الشرعي.
حول تداعيات هذا الإجراء على المواطنين والاقتصاد أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور بلال علامه لموقع “هنا لبنان” أنه “كان ملفتاً هذا التخبط في التصاريح المتناقضة للسلطات الرسمية بين تطبيق الدولار الجمركي في الأول من كانون الأول وبين رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15000 في الأول من شباط وبين تصريح يؤكد أن التطبيق سيكون تدريجياً. ما يدل إلى أن السياسة العامة المعتمدة من قبل السلطات الرسمية لا يزال يشوبها الكثير من الغموض. لأنه من المفترض أنه عند اعتماد سعر الـ 15 ألف ليرة للدولار الجمركي يكون قد سبقته دراسة حول تداعيات التطبيق من الجوانب كافة على أن يتم تعديل السعر الرسمي لأنه لن يكون هناك من داع للإبقاء على سعر رسمي أو سعر قديم لم يعد نافعاً في أي مجال من المجالات”.
وشدد علامه على أنه “في حال أقدمت وزارة المالية على اعتماد هذا الإجراء سيكون هناك تبعات على أسعار كثيرة من السلع وربما أكثرها. فالمحروقات مثلاً تتأثر أسعارها بشكل مباشر كما بعض السلع الاستراتيجية وبالتالي عند رفع السعر من 1500 إلى 15000 سيكون هناك تبعات على أسعار السلع مباشرة أو بشكل غير مباشر”.
وأكد علامه “أن هذه الخطوة ستسبب تضخماً قد يصل حجمه إلى 20 في المئة نتيجة التعقيدات بهيكل الأسعار المعتمد في لبنان على السلع والخدمات”.
وسأل: “هل درست الأمور بطريقة علمية واحتسبت كل السلبيات والإيجابيات لاتخاذ هذا القرار أم أن الإسراع هدفه في مكان ما الزحف نحو تحصيل إيرادات ورفع الواردات للدولة؟ لافتاً إلى أن “الدولة على عجلة لجباية رسوم وإيرادات كيف ما كان ومن اي مكان، خصوصاً بعد نشر موازنة 2022 بالطريقة التي نشرت فيها والتي تتضمن مزيداً من الإنفاق ومزيداً من الأعباء المالية، إذ ارتفعت مثلاً الرواتب والأجور من 12 ألف مليار إلى 36 ألف مليار بالحد الأدنى”.
ورأى علامه أن “رفع سعر الدولار الجمركي سيؤدي إلى دفع السوق السوداء أو الاقتصاد الأسود (أي دورة التهريب وحركة التبادل التي تحصل خارج إطار السيطرة الرسمية أو خارج نطاق المعاملات الشرعية)، وهو اقتصاد يشكل اليوم أكثر من 50 في المئة من حركة الاقتصاد اللبناني.
وبالتالي إنّ توسع السوق السوداء سيؤدي حتماً بدل رفع الإيرادات إلى انخفاضها او على الأقل إلى تناقصها. لسبب أساسي وهو أن الذي كان يلتزم بالدورة الطبيعية الشرعية القانونية ربما سيلجأ إلى السوق السوداء لتسهيل عملياته التجارية بعيداً عن الرسوم الباهظة التي ستفرض على التجارة والسلع”.
أما الحل بحسب علامه فهو “باعتماد سياسات اقتصادية من ضمنها سياسات تجارية تسهل التبادل التجاري مع إعطاء نوع من التسهيل في عملية دفع الرسوم مقابل إغلاق وضبط الحدود والمرافق ومنع حركة التهريب بمعنى لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.
وبحسب علامه وانطلاقاً من المنحى المالي والاقتصادي الذي يتكرر دائماً فإنه عندما كلما سعت أي دولة إلى مزيد من الجباية كلما عجزت عن تحصيل المبالغ الأساسية وينطبق هنا قول ابن خلدون: “عندما تكثر الجباية تشرف الدولة على النهاية”.
وأمام هذا الواقع، خلص علامه إلى وجوب وضع دراسة هيكلية كاملة حول رفع رسم الدولار الجمركي وفي الوقت نفسه تعديل سعر الصرف الرسمي الذي لم يعد نافعاً. وأن توضع هيكلية كاملة تدرس فيها التعديلات على الأسعار وطرح خطة لتعديل الأجور بما يتناسب مع رفع الرسوم الجديدة وبشكل متوازن.
ولن يسلم القطاع الخاص من تبعات رفع الدولار الجمركي من دون تطبيق الإجراءات الضرورية لحسن التطبيق إذ أن كثيراً من مؤسسات القطاع الخاص ستصبح عاجزة عن متابعة عملها نتيجة الأعباء الهائلة التي ستفرض عليها. وستتجه إلى الإقفال ما يعني مزيداً من البطالة وصرف العمال وهذا الأمر يُعدّ من التداعيات الخطرة على الاقتصاد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |