الإيرانيات المنتفضات بوجه النظام الإيراني… مصدر إلهام للبنان
كتب إدموند ربّاط في “Ici Beyrouth“:
عند متابعة آلاف النساء الإيرانيات اللواتي يتحدين النظام الإيراني، لا يسعنا إلا أن نشعر بالإعجاب بشجاعتهن وهن يواجهن أحد أكثر الأنظمة عنفاً وكراهية للنساء في عصرنا.
وتواجه هؤلاء الشابات الإيرانيات النظام الإيراني بسلاح وحيد وهو الكشف عن شعرهن، الذي بات شعار المرأة، والحياة، والحرية – وأغنية “Baraye”، والتي تعني “من أجل”… من أجل حرية الرقص في الشارع، والخوف من التقبيل، ومن أجل الأمهات والأخوات المفقودات، ومن أجل إحداث تغيير بالعقليات الرجعية، ومن أجل أولئك الذين يتعرضون للإذلال لعدم قدرتهم على إطعام أسرهم، ومن أجل الرغبة في عيش حياة عادية.
وانضم إلى تحرك الأمهات، والزوجات، والأخوات، والبنات، والممثلات، والمغنيات، ولاعبات كرة السلة، لاعبو المنتخب الوطني لكرة القدم، الذين تسلحوا بالصمت عندما تم عزف نشيدهم الوطني قبل انطلاق مباراتهم الأولى في مونديال 2022، تضامناً مع التظاهرات التي تجتاح إيران، الأمر الذي إلى أدى إلى بكاء مئات ملايين المتفرجين وجزء كبير من 85 مليون نسمة في إيران، وسط قلق حيال كيفية عودة لاعبي المنتخب إلى ديارهم عقب هذا التحرك، إلا أن السؤال الملح هو بشأن جرأتهم على تنفيذ تحركهم في قطر في حين أن عائلاتهم في إيران.
من جهتها، رفضت الصحافة الإيرانية بث مقاطع وصور اللاعبين الذين صمتوا لحظة عزف النشيد الإيراني، إلا أن وسائل الإعلام العالمية أشادت بتحركهم الشجاع.
وفي مواجهة هذا الإذلال الذي تمارسه السلطة، تتعاظم المخاوف حيال رد فعل السلطات حيال تلك التحركات… فماذا لو بدأ الجيش بإطلاق النار على النساء والرجال منفذي التحركات كما حدث في المترو؟ ماذا سيحدث لهم؟ وان لم يحصل ذلك، إلى أي مدى يمكن أن يصمدوا ويستمروا؟
النساء الإيرانيات ولاعبو المنتخب الإيراني لا يرون أنفسهم شجعانا كما نراهم نحن، هم يعتبرون أنفسهم جيلاً لم يعش حياة طبيعية أبدًا وبالتالي لا يخشون الموت.. لقد أدركوا أن حياتهم في الماضي كانت موتًا يوميًا. لقد اكتشفوا ما هي الحياة من خلال “Facebook” و”Instagram” و”TikTok” و”YouTube” و”Netflix”.
ولم يبق لهذا الجيل شيئاً ليخسره بعدما عانى من الاختناق، ويرى أن مواجهة الخوف وتجاوز القمع والمطالبة بحقوقهم الطبيعية، والحق في السعادة والعيش الكريم، هي السبيل الوحيد للحياة.
وعلى مقلب آخر، لم تظهر نساء لبنان ونائباته دعماً لحراك النساء الإيرانيات المناضلات من أجل حقوقهن وحريتهن ولم تقم أي سيدة لبنانية بمبادرة للتضامن ولو من خلال قص خصلة صغيرة من شعرها، على سبيل المثال.
وبينما تكافح النساء الإيرانيات للتخلص من هذا النظام الذي يعد داعماً رئيسياً لحزب الله، لم يقم أحد بإدانة تصويت لبنان ضد مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
ووجد لبنان نفسه مرة أخرى على قائمة العار وبين الدول التي تدعم الإرهاب إلى جانب سوريا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وروسيا.
وبينما تسعى النساء الإيرانيات إلى قلب النظام، يتلهى اللبنانيون بعملية انتخاب رئيس، رغم معرفتهم بأنه غير قادر على إجراء أي إصلاح، كما أننا نصب تركيزنا على عملية عد الأصوات خلال جلسات الانتخاب في البرلمان، ونسخر من مرشح يبلغ من العمر 80 عامًا تقريبًا يختاره نواب التغيير المزعومون، ونغضب من الأوراق البيضاء خلال عمليات الفرز.
وفي كل أسبوع نشعر بالإثارة خلال جلسات البرلمان في كل مرة يفوز فيها أحد المرشحين ويخسر آخر بفضل انضمام نائب من معسكر إلى آخر.
ومن ثم أتت مباريات كأس العالم لتجسد مساحة جديدة للتلهي والصراع بين المشجعين اللبنانيين المناصرين للدول الأجنبية.
وفي وقت تعترض فيه النساء الإيرانيات أمام صور خامنئي، يتعجب اللبنانيون ويطرحون تساؤلات بشأن المغزى من زيارات ولقاءاتي قوم بها مسؤول في حزب الله، وما علاقة هذا التحرّك برئاسة الجمهورية.
إن ذلك الغموض الذي يحيط بهوية الرئيس الجديد لم يعد يهم أحداً، سوى أولئك الذين يرفضون الاعتراف بأن مصيرنا في لبنان مرتبط بمصير هؤلاء النساء الإيرانيات.
رغم أنني أتمنى أن يرتعد النظام الإيراني، إلا أنه لحظة تصدعه سيتسبب بموجة تسونامي سياسية تضرب البلاد.
وبينما تخاطر النساء الإيرانيات بحياتهن ليتمكنّ من التعبير عن أنفسهن بحرية، نجد اللبنانيين يمارسون الرقابة الذاتية لحماية حزب الله، فيما يسخر البعض من عبارة الاحتلال الإيراني، ويعتبرونه شعارًا فضفاضاً وينصحون بالتركيز على الشؤون المحلية، وعليه أصبح لبنان جزيرة منفصلة عن بقية العالم، والتي كانت سباقة إلى العولمة.
وفي المحصلة، فإنه بينما تحلم المرأة الإيرانية بالعيش في بلد يشبه لبنان، يبذل اللبنانيون قصارى جهدهم لتبدو الحياة في بلادهم كتلك التي في إيران قبل وفاة مهسا أميني، وذلك من خلال انتخاب مرشح حزب الله للرئاسة، وأيضاً من خلال السماح لحزب الله بالانخراط في البرلمان بكتل برلمانية.
فبالإضافة إلى الموت جراء انفجار مرفأ بيروت، وما تبعه من موت بطيء بسبب اليأس الذي أعقب التدمير المتعمد لاقتصادنا، فإننا مهددون ثقافيًا أيضًا، بعدما تسبب وزير الثقافة المدعوم من الثنائي الشيعي بانسحاب الكتاب الفرنسيين الذين كانوا سيشاركون في مهرجان ببيروت، متهماً إياهم بالانغماس في “الدعاية الصهيونية”؛ وهو ادعاء شجبه عدد من الكتاب اللبنانيين…
تحلم المرأة الإيرانية بالعيش بحرية كحياة الغرب، ولا يزال حسن نصر الله يحلم بنقل نظام إيران وروسيا والصين إلى لبنان.
ولا بد من قراءة في Oblomov لإيفان غونشاروف وهي رواية عن الكسل واللامبالاة والتراخي، تشير إلى أن الرجل الضعيف والضائع يفكر برعب في الحياة وفي من حوله، باحثًا في خياله عن مفتاح أسرار الطبيعة المحيطة به وأسرارها.
يبدو أن Oblomov، الشخصية الروسية، قد هبطت في أرض فينيقيا.
وقال فرانسيس بلانش: دعني أنام، لقد صنعت لذلك. ولكن لقد حان وقت الاستيقاظ لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني، لأن هؤلاء النساء الإيرانيات لا يجب أن يجعلننا نحلم وحسب، بل يجب أن يكن مصدر إلهام لنا.
مواضيع ذات صلة :
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | الجميّل تعليقًا على رسالة خامنئي إلى الشعب اللبناني: “ومن الحب ما قتل”! |