الخامنئي قال الحقيقة
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
إيران انتصرت على أميركا في لبنان والعراق وسوريا، بالمعنى الاستباقي الذي يعني أن إيران لو لم تسيطر على هذه البلدان لكانت أميركا هضمتها وانتقلت إلى الداخل الإيراني. هذا فحوى جزء مما قاله المرشد الإيراني علي خامنئي الذي يعاني نظامه من ثورة شعبية عارمة مستمرة هي الأخطر على النظام منذ قمع الثورة الخضراء في العام 2009، ومنذ قمع ثورة البنزين التي سقط فيها آلاف القتلى المدنيين سحقاً على يد الحرس الثوري الإيراني وآلة القمع الرهيبة التي يمتلكها النظام.
كلما احتاج رموز النظام الإيراني إلى تخدير الشعب الإيراني يلجأون إلى الانتصارات الوهمية لحقن شعبهم بالوهم، لكن هذه الحقن لم تعد تجدي نفعاً، مع اتساع حركة الاحتجاج التي تنطلق من فكرة التوق إلى الحرية والرخاء الاقتصادي، المفقودين بفعل هدر موارد إيران على أحلام التوسع والسيطرة، وتحويل الأمة الإيرانية إلى أمة منبوذة ومحاصرة، جراء سياسة جمهورية الملالي القائمة على الاعتداء على الجوار وتهديد الاستقرار وصرف الموارد على مشاريع التخريب وزرع الميليشيات، فيما الشعب الإيراني تتدهور قدرته على الصمود، وتزداد نسبة الفقر، ويتراجع الاقتصاد إلى معدلات مخيفة، لأن الأموال والموارد تصرف على مشاريع عبثية، كمشاريع التسلح العقيمة، التي تحولت إلى سلوك استعراضي إيراني يراد به إيهام الداخل الإيراني بأن إيران تحولت إلى دولة إقليمية عظمى.
كلام المرشد الإيراني ليس جديداً، لكنه يمثل الإقرار الأهم من أعلى رأس الهرم في سلطة الملالي، بأن إيران حولت البلدان الآنفة الذكر وعلى رأسها لبنان إلى ساحات لتبادل الصراع على النفوذ، مع كل ما يعني ذلك من تدمير لحاضر ومستقبل هذه البلدان، كي تبقى إيران النظام بمأمن.
سبق لأحد المسؤولين الإيرانيين أن تباهى بأن إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، وسبق لآخر أن تباهى بأن إيران باتت تمد قدميها على شاطئ المتوسط، وتأتي هذه المواقف في الأوقات الصعبة لتبرر للشعب الإيراني الذي يعاين موارده وهي تصرف خدمة لمشروع الساحات هذا، فيما مستقبله بات في خانة المجهول.
لهذا لم يكن غريباً أن يوجه الشعب الإيراني في ثورته جام غضبه على فصائل إيران في لبنان والعراق واليمن وحماس في غزة، فهو يعتبر أن هذه الفصائل تسرق قوت أولاده، وتدمر حياته، ويأتي كلام خامنئي تحديداً للرد على هذه الحقيقة بوهم مفاده أنّ ما صرفته إيران للسيطرة على هذه الدول، كان دفاعاً استباقياً عن إيران نفسها.
يدحض كلام الخامنئي، كل سرديات الفصائل التابعة لإيران وفي طليعتها حزب الله. هذه الفصائل تصور نفسها على أنها جزء من محور، وتتعمد كما حزب الله خصوصاً، أن تبرز أنها تمتلك قراراً مستقلاً عن طهران، وهذا ما نسفه كلام المرشد، الذي رسم الاستراتيجية العامة التي تقاد من طهران، خلافاً لكل الترهات التي ترد في إعلام فصائل الحوثي والحشد وحزب الله والنظام السوري.
من هذه الزاوية يمكن قراءة ترسيم الحدود بالتوقيت الإيراني الذي قايض الترسيم مع الأميركيين بتشكيل حكومة موالية في العراق، ومن هذه الزاوية ايضاً يمكن فهم تعطيل انتخاب رئيس جديد في لبنان، كي يكون هذا الانتخاب عنوان مقايضة جديدة، وكي يضمن المحور أنه أتى برئيس كميشال عون يكرس استمرارية سيطرة إيران على قرار لبنان، تماماً كما يريد المرشد الإيراني.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لكل 17 أياره: استسلام الممانعة | تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة |