تكثيف حملات القمع في روسيا تزامناً مع فشل العمليات العسكرية في أوكرانيا
دخل قانون جديد تم بموجبه توسيع فئة “العملاء الأجانب” في روسيا حيز التنفيذ يوم الخميس، فيما يبدو عزم السلطات على تكثيف حملات قمعها لحرية التعبير والمعارضة بالتزامن مع تراجع وتيرة تقدم العمليات العسكرية في أوكرانيا.
ويأتي القانون أيضًا كدليل إضافي على إصرار روسي على استئصال ما تعتبره قيمًا ليبرالية غربية، إذ تمت المصادقة على القانون بنفس الأسبوع الذي أرسل فيه مجلس الدوما مشروع قانون إلى مكتب بوتين يسهم بتوسيع حظر “الدعاية” والترويج للمثليين.
وبموجب قانون العملاء الأجانب الذي تم إقراره عام 2012 بعد موجة احتجاجات على ترشح بوتين إلى الرئاسة، فإن المنظمات التي تشارك في أي نشاط سياسي وتحصل على تمويل خارجي ملزمة بالتسجيل ضمن فئة العملاء الأجانب والتقيد بقواعد وإجراءات صارمة.
ومذاك تم تحديث هذا القانون تدريجياً، ليشكل العمود الفقري لقيود أكثر صرامة حيال المجتمع المدني في روسيا على مدار العقد الماضي.
واعتبارًا من يوم الخميس الفائت، تم توسيع هذا التعريف ليشمل ليس فقط الأفراد والمنظمات الممولة من الخارج إنما أولئك الذين يتلقون الدعم والخاضعين لنفوذ أو تاثير أجنبي أيضاً.
ووفق القانون فإن مصطلح “الدعم الأجنبي” لا يعني فقط المساعدة المالية بل يطال المساعدات التنظيمية والعلمية والتقنية”، في حين تعتبر كلمة “التأثير”، على أنها “قوة التأثير على الفرد بالإكراه أو الإقناع أو أي وسيلة أخرى”.
ويقول الصحافي الروسي المستقل الذي يعيش الآن في ليتوانيا، كونستانتين فون إيغريت، أن مثل هذه القوانين التي تشكل ما يصفه بـ”نظام بوتين القمعي” تم تصميمها لتكون فضفاضة وغامضة، كما يتم تطبيقها بشكل انتقائي من أجل ممارسة التخويف والتسبب بتجميد النشاطات.
ووفق إيغريت فإن السلطات إذا قامت بتطبيق القوانين على الجميع بشكل منتظم، فإن الأمر قد يسهم بكشف طريقة للتلاعب بالنظام، بينما إذا تم تطبيق القوانين بطريقة عشوائية فلن تكون قادراً على ذلك.
من جهته، يربط صحافي روسي آخر منفي وعمل سابقاً في أجهزة الأمن الروسية أندري سولداتوف، حملة القمع الروسية بخسائر العملية الروسية في أوكرانيا.
قال: “لا يمكنك تفسير لماذا تم التخلي عن خيرسون.. أفضل طريقة لتفسير ذلك هي إضافة أحد عناصر الخوف.”
تكثيف القمع
ويتزامن التدهور المتسارع لحرية التعبير والحريات العامة في روسيا مع ما يسميه الكرملين بـ”العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، إذ في غضون أيام من الغزو، فرضت روسيا قيودًا على الوصول إلى فيسبوك وبعض وسائل الإعلام الغربية والمستقلة في البلاد، كما سارعت السلطات إلى تجميد الاحتجاجات السلمية واعتقال آلاف المشاركين فيها.
في بداية آذار، تبنت الحكومة قانونًا يجرم تعمد نشر معلومات كاذبة عن القوات المسلحة الروسية، ويعاقب القانون مرتكبي الجرم بالسجن 15 سنة، الامر الذي دفع بـ شبكة “CNN” والعديد من المؤسسات الإخبارية الغربية في روسيا بتعليق بثها مؤقتًا.
كما أثبت الدفاع عن “القيم التقليدية” – وهي جزء من قضية بوتين لشن الحرب في أوكرانيا – ذريعة أخرى لمزيد من القمع في الداخل منذ الغزو. في خطابه في 24 فبراير، اليوم الذي بدأت فيه الحرب، زعم بوتين أن الولايات المتحدة والغرب “سعيا إلى تدمير قيمنا التقليدية وفرض قيمهما الزائفة علينا والتي من شأنها أن تضعفنا”.
وتذرع بوتين برواية الدفاع عن “القيم التقليدية” لزيادة وتيرة عمليات القمع في روسيا منذ بداية غزو أوكرانيا، وفي خطابه في 24 شباط تاريخ بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا الذي بدأت، اتهم الرئيس الروسي واشنطن والغرب “بالسعي إلى تدمير قيمنا التقليدية وفرض قيمهما الزائفة علينا والتي من شأنها أن تضعفنا”.
من جهته، اعتبر المتحدث باسم مجلس الدوما في كلمة هذا الأسبوع، أن القانون الجديد الذي وسع إجراءات الحظر الذي فرض عام 2013 “الدعاية” والترويج للمثليين بهدف حماية مستقبل روسيا وأطفالها من انتشار ظلام وقيم الولايات المتحدة والدول الأوروبية”.
بدورها، حذرت هيومن رايتس ووتش من أن تأثير هذا القانون سيسهم بمزيد من التضييق على حرية التعبير والرفاهية والأمن”.
ويشكل قانون العميل الأجنبي الموسع أحد أقوى الأدوات التشريعية الروسية التي تدفع بالسكان للتماشي وتطبيق أهداف السلطات، وضمن إجراء يحمل بصمات سوفييتية، سيتم حظر أي شخص أو منظمة يتم اعتبارها عميلاً أجنبياً من العديد من وظائف التربوية، ولن يتمكن من تنظيم أنشطة عامة أو تلقي تمويل من الدولة لهذه الغاية.
ويحظر القانون توزيع أي منتج يوزعها عميل أجنبي تستهدف القصر، كما سيتم وسمها بـ 18+ وتباع في عبوة مختومة غير شفافة وفقًا لمجلس الدوما.
ووفق وسائل الإعلام الرسمية، فإن وزارة العدل الروسية تعتزم نشر البيانات الشخصية للعملاء الأجانب المعينين، والتي ستتضمن أرقام دافعي الضرائب وحسابات التأمين الفردية إضافة إلى الأسماء وتواريخ الميلاد.
وبحسب سولداتوف فإن القانون الموسع قد يكون مصممًا لاستهداف موظفي مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أنه “إذا تم إدراجك ضمن هذه القائمة وأنت رجل عادي فلن تكون المشكلة كبيرة… أما إذا كنت “طبيبًا أو مدرسًا أو أستاذًا في إحدى الجامعات فقد تواجه مشكلة كبيرة، وقد تواجه خطر فقدان وظيفتك”.
وعلى الرغم من أن فون إيغريت يعتقد أن توسيع القانون الآن الذي وقعه بوتين في تموز، دليل على عدم جدواه، إلا أن الواقع يشير إلى أن ناشطين سابقين اعتبرتهم السلطات مصدر خطر على الدولة، يتوزعون بين أفراد قابعين في السجون أو فارين إلى الخارج.
ويرى فون إيغريت أنه مع تعثر وتقهقر القوات الروسية في أوكرانيا، فإن القانون يعد “علامة ضعف النظام هنا وليس قوته”.
مواضيع ذات صلة :
بعد قرار بايدن.. أوكرانيا تنفذ أول هجوم بصواريخ “أتاكمز” | بوتين يُحدّث “العقيدة النووية”.. محاولة روسيّة لرسم “خط أحمر” للولايات المتحدة وحلفائها | تحذير أوكراني من كارثة نووية محتملة |