لماذا تطول الأزمات اللبنانية


أخبار بارزة, خاص 3 كانون الأول, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

ليست الطبقة السياسية وحدها من يتحمل مسؤولية إطالة مسلسل الأزمات في لبنان، وكل ما كتب وقيل، وما سيكتب وما سيقال، عن انتهازية السياسيين في إطالة الأزمات، وتواطئهم حماية لمكتسباتهم، وتضليلاً للرأي العام عن مكامن الخلل السياسي، التي يتلطون خلفها، ليست الحقيقة الناصعة الجادة، ففي هذا الاستنتاج تبرئة لهذا الرأي العام من المسؤولية عما تردى إليه وضع البلاد، من جهة، وتجاهل للتأثيرات الإقليمية والدولية، من جهة أخرى.
ليس في هذا الاستنتاج تبرئة للطغمة السياسية- الإقتصادية- المالية، فهو توصيف لحقيقة قائمة. فقدرة اللبنانيين على التعايش مع الأزمات بأنواعها الإجتماعية كافة، وبلا حدود، لطالما ساهمت في إطالة عمر هذه الأزمات، واستولدت بعضها من بعض، كأزمة الكهرباء وتجارة المازوت، إلى تحويل الدولار إلى سلعة لها “أسواق” و”إدارات” توفر التناسق والتساوق بين الممسكين بقرارها، الذين، لم تمنعهم لا شرعية أعمالهم عن أن يكونوا معروفين من القاصي والداني، وعن أن يراعوا مصالح بعضهم بعضاً، إلى حد أن “اشتباكاتهم” وتضارب مصالحهم لا تصل إلى ما تحت الحزام، ولها حدود تراعي “أخلاقيات” حرفتهم المستجدة، ولا يخرج عن ذلك “أسواق” وليدة كالمازوت، ومولدات الكهرباء، وصهاريج الماء، يبرمج شؤونها “الكبار” وينفذ خطواتها الصغار، وكل يستفيد بحسب مقاسه.
أطال اللبنانيون أمد الحروب التي عاشوها، بقدرتهم على ابتداع الحلول للأزمات المتنوعة التي نجمت عنها، وكما أحدثوا فجوات في جدران الأبنية ليمروا عبرها في المناطق الواقعة تحت نيران “العدو”، أو ليتبادلوا السلع والخدمات والتجارات التي ولّدها التقطيع الجغرافي- السياسي، فإنهم فتحوا، للضرورة، فجوات في جدران الاستعصاء السياسي فابتدعوا “المراسيم الجوالة”، وحوّلوا مجلس الوزراء إلى مجلس رئاسي عند شغور موقع رئيس الجمهورية بقوة سلاح حزب السلاح لمدة سنتين ونصف كي يجبر الخصوم على تبني مرشحه ميشال عون.
استمرت “الحروب” النارية في لبنان نحو 15 عاماً، وتستمر ذيولها، منذ نحو 32 عاماً، بلا نيران طاغية، وفي الزمنين، أثبت اللبناني ليونة في الإنصياع للوقائع المستجدة، ولم يقتنع يوماً بأولوية التخلي عن التبعية الطائفية لحساب الوطنية، فحين تشتد الأزمات يقل عديد المتفلتين من أسر هذه التبعية لمصلحة وطن، الناس فيه مواطنون لهم حقوق المواطنة لا أتباع يستجدون كرامة العيش، وتسكتهم فتات “صدقات” الإنتهازيين الكبار، فيعيش كل منهم إزدواجية “دكتور جيكل ومستر هايد” الشهيرة، فيدين تهريب الأموال، مثلاً، ولا يتردد في التواطؤ مع أبطاله، إذا أُتيحت له نافذة عليهم.
هي القدرة على التكيف مع المستجدات، حتى ما كان انقلابياً منها، أو نقيضاً لها، وليس المشهد اللبناني مع الوجود السوري، ثم بعد مغادرته لبنان، إلّا مثالاً نابضاً وفاضحاً على انتهازية متأصلة تحت غطاء تبريرات، ذهاباً وياباً. على فكرة أي شعب في العالم لديه في تراثه أمثلة شعبية من نوع “من يتزوج أمي يكون عمّي” أو “اليد التي لا مهرب من بطشها قبّلها وادع عليها بالكسر”.
ويسمّي اللبنانيون ذلك “شطارة”، ويسألون لماذا تطول الأزمات وتستمر.
ينقل عن المفكر القومي العربي منح بيك الصلح قوله إن اللبنانية ليست هوية، إنها مهنة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us