أفخاخ الشعبويّة وإضعاف الدولة!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
غريبٌ كيف تنقسم البلاد بشكل طائفي بصورة فوريّة بمجرّد تقدّم أحد الأطراف السياسيّة بنظريّات لا تخلو من عناصر الكراهيّة الطائفيّة والمذهبيّة فتراه يضع سقوفاً سياسيّة سرعان ما تنتظم تحت لوائها قوى أخرى حتى ولو كانت لا تتقاطع معه في الطروحات العامة والكبرى.
دعوة مجلس الوزراء للانعقاد مثال حي على ذلك. المفارقة أن الأطراف ذاتها التي تعطّل انتخاب رئيس الجمهوريّة وتشارك بسحب النصاب القانوني وتقترع بالورقة البيضاء بغية تحسين شروطها التفاوضيّة، هي ذاتها الأطراف التي منعت تشكيل حكومة “مكتملة الأوصاف” قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بسبب المطالب التعجيزيّة التي رفعت سقوفها إلى درجات غير مسبوقة من الوقاحة السياسيّة.
ألا يرقى ملف إنساني حسّاس بمستوى توفير أدوية الأمراض المزمنة وتسديد المستحقات الماليّة للمستشفيات والمراكز الصحيّة إلى المستوى الذي يستوجب عقد إجتماع استثنائي لمجلس الوزراء؟ لماذا الإصرار الدائم على مقاربة الملفات والقضايا من الزاوية الطائفيّة الضيّقة؟
وإذا كان المنطق السياسي المريض الذي تنتهجه بعض القوى منذ عقود من خلال ربط مستقبل البلاد وأجياله الطالعة بمصالحها الضيّقة بات معروفاً وممجوجاً ومثيراً للاشمئزاز؛ فإن المثير للريبة هو التحاق جهات سياسيّة أخرى بهذا المنطق في هذا المنعطف بالذات رغم رفعها لواء المؤسسات ورفض تعطيلها.
ليس اجتماع الحكومة موجهاً ضد المسيحيين، كما أن قراراته لا تصبّ في مصلحة المسلمين. القضيّة أعمق من ذلك وأكثر تعقيداً. الصراع في البلاد ليس مبنياً على الانقسام المسيحي- الإسلامي ولا يُفترض أن يكون كذلك. ليس هناك من مصلحة على الإطلاق لدفعه في هذا الاتجاه، وهو ما يضاعف المسؤوليّة على بعض الأطراف بالذات بعدم الإنجرار خلف هذه المواقف خوفاً من شارعها.
إن الخطابات الشعبويّة لا تتطابق مع المصلحة الوطنيّة حتى ولو أنها ربما تعكس في لحظة ما اتجاهات الرأي العام أو رغباته الجامحة. من هنا، فإنّ انجرار أطراف سياسيّة ترفض الشعبويّة عادة وتحذّر منها إلى هذا الفخ من شأنه أن يفاقم الخلافات الأساسيّة بين اللبنانيين بل أن يردم الهوّة بينهم.
بقدر ما تبتعد القوى السياسيّة عن الشعبويّة بقدر ما نقترب من مشروع الدولة، وبقدر ما تقترب منها، بقدر ما يضعف مشروع الدولة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |