استقواء المشاهير بالجماهير… استغلال للشعبية أم اضطراب في الشخصية؟
ظلت فكرة حشد الجماهير مرتبطة دوماً بالعاملين في مجال السياسة، حيث يحاول كل فريق جذب المؤيدين بطرق حماسية، لكن بعد سنوات من توغل السوشيال ميديا في جميع عناصر الحياة، بات المشاهير من الفنانين يحاولون هم أيضاً اختبار شعبيتهم، وبقصد ومن دون قصد يورطون الجماهير في معاركهم الشخصية أو الاجتماعية أو المهنية.
في الماضي كان لقاء الفنان بجمهوره من خلال حفل أو ندوة أو فعالية ما، لكن مع صفحات التواصل الاجتماعي باتت حياة الفنانين كتاباً مفتوحاً أمام أعين الجميع، مما جعل بعض النجوم يشعرون بنوع من “النشوة” تدفعهم إلى تصرفات غير مدروسة بالمرة، يورطون فيها محبيهم من الجماهير.
هل المشاهير يستغلون الجمهور؟
بالنظر إلى الوسط الفني العربي سنجد حالات مشابهة كثيرة سواء يفعلها أصحابها ببراءة أم بشكل متعمد، فعلى سبيل المثال كان اسم المطربة شيرين عبدالوهاب على مدى الأشهر والأسابيع الماضية الأكثر بحثاً وإثارة للجدل بحفنة من المشكلات الأسرية والنفسية والصحية، بينما تأتي حياتها الفنية في المركز الأخير، حيث كانت تتبرع هي بكشف جميع أسرار ما يدور في بيتها مع الملحن والمغني حسام حبيب الذي حصل على لقب زوجها ثم طليقها ثم زوجها مجدداً.
وبعد أن استقوت بالجمهور على طليقها لتصفية حساباتها الشخصية، حتى إنها طلبت من الملايين من محبيها في أنحاء الوطن العربي أن “يلقوا بالفضلات على وجهه”، في مداخلة هاتفية لها بأحد البرامج، عادت بعد رجوعها إليه لتطلب من الجمهور نفسه عدم مهاجمة “الأستاذ” وألا ينخرطوا في التقول عليهما.
تلك الحالة من التناقض في التصريحات الموثقة يمكن تحليلها بأكثر من صورة، لكن الأزمة هنا هي أريحية المشاهير في استخدام جماهيريتهم بثقة زائدة، وكأنهم يمتلكون حقوقاً على المحبين، تخول لهم أن يطلبوا منهم مهاجمة ذاك أو مهادنة آخر. يقول الناقد الفني طارق الشناوي معلقاً على موقف شيرين عبدالوهاب، إنها فقدت بوصلة الاختيار الصحيح ثم أدخلت الرأي العام طرفاً في قضيتها واستنجدت صراحة بالجماهير لتنقذها من الظلم الواقع عليها، لكن بشكل مفاجئ عادت للزوج الذي طالما وصفته بأقذع الأوصاف.
الشناوي يشرح بعضاً من أسباب تلك التصرفات بالقول إنها في الغالب لم تتخذ قراراً مدروساً باستغلال جماهيريتها الشاسعة عربياً، وتعيش مأساة ذهنية ونفسية تعززها حالة من الحب المرضي، وتابع “هناك مشكلة في شخصية الطرفين، فبعد كل الاتهامات المتبادلة ما بين السرقة والإدمان، يتعاملان وكأن شيئاً لم يكن، فهي شخصية قطبية تذهب من النقيض إلى النقيض، كما أن علاقتها مع زوجها مطروحة بكل تفاصيلها أمام الرأي العام بشكل مبالغ فيه، مما يؤكد أن هناك شيئاً خاطئاً، فبعيداً من كونها مجرد مشروع استثماري بالنسبة إلى بعض المحيطين بها، لكنها أيضاً مسؤولة عما يجري لها”، واختتم الشناوي حديثه بالتساؤل “هل سيغفر لها الجمهور هذه المرة أيضاً؟”.
تحريض مباشر
إذاً الجماهير مرة أخرى يدخلون المعادلة، سواء وفق خطة محكمة من المؤثر أو الفنان، أم بالصدفة ومن دون وعي أو نية مبيتة، لكن في كل الأحوال النتيجة هي أن الاستغلال للشعبية يحدث، سواء لشعور “المشهور” بالاحتياج أم بالضعف أم بالاضطراب، فكيم كارداشيان قبل أشهر طلبت من طليقها كانييه ويست أن يتوقف عن التحريض ضد صديقها آنذاك بيت ديفيدسون، إذ لم يكن يتوقف ويست عن إثارة ملايين من متابعيه عبر السوشيال ميديا تجاهه، ووصل به الحال أن نشر صورة له مكتوباً عليها أنه فارق الحياة، بل وقبلها كان قد ظهر في كليب له وهو يخطف مجسماً كارتونياً للممثل الشاب بيت ديفيدسون، ثم يدفنه حياً في إشارة واضحة إلى مشاعره ناحيته، ومن المعروف أن طليق كيم كارداشيان ووالد أبنائها الأربعة تم تشخيص مرضه بأنه “اضطراب ثنائي القطب” وخضع للعلاج والتأهيل أكثر من مرة.
التراشق بين المشاهير لم يعد يقتصر على مجرد سخرية لاذعة أو حتى تبادل الاتهامات التي لا تخص أحداً غيرهم، لكن فكرة الاحتماء بالجماهير أمر متكرر ويشير إما إلى ضعف شخصية صاحب الأزمة أو عدم وعيه بخطورة تلك الطريقة، حيث كانت مناشدة المتابعين في البداية تقتصر على طلب الدعاء أو المساندة والدعم في عمل فني جديد، أو حتى الحث على التبرع لعمل خيري، لكن الأمور تحولت تماماً في الفترة الأخيرة إلى ما يشبه تسول العواطف عن طريق الحديث على ظلم ما أو أذى نفسي أو التعرض لسلب الحقوق.
في كتاب “سيكولوجيا الجماهير” الصادر عام 1895 يذكر مؤلفه غوستاف لوبون أن “الهيبة الشخصية تختفي دائماً مع الفشل، فالبطل الذي صفقت له الجماهير بالأمس قد تحتقره علناً في الغد إذا ما أدار الحظ له ظهره، بل إن رد فعلها ضده يكون عنيفاً بقدر ما كان احترامها له كبيراً”، فهذا الفخ يقع فيه كثيرون ممن يعتقدون أن سرقة عقول المتابعين والمحبين أمر مسلم به، وهو المعنى الذي ينطبق في بعض من تفاصيله على حالة شيرين عبدالوهاب مجدداً، وقد لخصت الإعلامية اللبنانية ريما نجيم الوضع بتدوينة مختصرة لها تعليقاً على ما يجري في حياة مغنية “آه يا ليل”، “السؤال لماذا تستمتع بلعب دور الضحية، ودعم الناس لها أعطى نتيجة سلبية، بمعنى أنا شو ما عملت الناس بتحبني (مشكلة المشاهير)، وكأنها لا تريد أن تشفى”، وهو الرأي الذي وافق عليه عشرات من المعلقين وممن أعادوا نشر تغريدتها.
طرف في المعركة
كانت الفنانة هيفاء وهبي في وقت سابق قد حرصت أيضاً على إدخال المتابعين في معركتها ضد بعض من مقلديها، حين نشرت صورها بإطلالتها في مسلسل كانت تعمل عليه بعنوان “كارما”، وطلبت من الجمهور توجيه كلمة للفنانات اللاتي اعتمدن اللوك نفسه ووصفتهن بمجموعة المقلدات، فانخرط المعلقون في شن هجوم ضار على بعض النجمات اللاتي تم ذكرهن بالاسم باعتبارهن يستنسخن إطلالة فنانتهم المفضلة، وكان من بينهن ممثلات لبنانيات شهيرات.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي حرص الفنان محمد رمضان على الاستقواء بجمهوره بشكل مباشر، حيث التقى بهم في شوارع مدينة الإسكندرية للرد على الحملة التي شككت في شعبيته هناك عقب دعوات خرجت للمطالبة بمقاطعة حفل له في المدينة الشاطئية المصرية، ونزل إلى المقاهي والشوارع ليوثق احتفاء الجماهير به، وعلى رغم حالات الهرج والمرج والتدافع التي حدثت، فقد كان كل ما يهمه هو أن يثبت وجهة نظره.
الجماهير وإن كانت ذات أطياف متعددة لكنهم في النهاية يشتركون في صفات بعينها، بخاصة في ما يتعلق بالتصرف الجمعي والسلوك العام، وبالطبع لن يسامحوا طوال الوقت فكرة “التلاعب” حتى لو كان بحسن نية.
المصدر: INDEPENDENT عربية
مواضيع ذات صلة :
تحذير طبي.. سماعات الأذن تنذر بـ”اضطرابات خطيرة” |