تخوين ونكث ونكاية… هل دخل “اتفاق مار مخايل” مرحلة العناية الفائقة؟
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
انكسرت الجَرّة جزئيًّا بين “التّيّار الوطني الحرّ” و”حزب الله”، على وَقع نيران الرّدود والبيانات المتبادلة ذات النّبرة العالية، بعد اهتزازاتٍ وتفسّخاتٍ متعدّدةٍ ازداد عمقها في السّنوات الأخيرة. غير أنّ الصّفعة الّتي وجّهها الحزب لحليفه البرتقاليّ، المتمثّلة بحضور وزرائه جلسة مجلس الوزراء، الّتي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للمرّة الأولى منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون؛ تسبّبت بالكِسر الّذي قد لا يلتحم مجدّدًا.
بذريعة الضّرورة القصوى وصحّة المواطنين وتفادي ارتكاب جريمةٍ بحقّ مرضى السّرطان وغسيل الكلى، دعا ميقاتي إلى جلسةٍ حكوميّةٍ استثنائيّةٍ يوم الإثنين الماضي، اعتَبر رئيس “التّيّار” النّائب جبران باسيل أنّها غير شرعيّةٍ وتأكيدٌ على غايةٍ دفينةٍ بوضع اليد على السّلطة، ووَجد أنّها إعدامٌ للدّستور وضربةٌ قاتلةٌ لاتّفاق الطّائف. إلّا أنّ هذه الجلسة لم تكن لتنعقد لولا مساهمة وزراء “حزب الله” في تأمين النّصاب لها، وهذا ما أجّج غضب “التّيّاريّين” الّذين وجدوا أنّهم تلقّوا طعنةً في الظّهر، في توقيتٍ حسّاسٍ لا يحتمل أيّ “زحطة”.
توالت الرّدود المندّدة على وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعي، إلى درجة وَضْع ما جرى في خانة “الخيانة”. وهذا ما أشار إليه باسيل ضمنيًّا، عندما قال في مؤتمرٍ صحافيٍّ الثلاثاء الماضي، إنّ “مشكلتنا مع الصّادقين الّذين نكثوا بالاتّفاق والوعد والضّمانة”، مؤكّدًا أنّه عندما تنكسر الشّراكة الوطنيّة والحزبيّة، “بِتبطّل شراكة”.
صمتُ “حزب الله” المعتاد، لم يدم طويلًا هذه المرّة، بل خرقه بيانٌ “عنيفٌ” صباح يوم الخميس الماضي، شدّد على أنّ “حزب الله لم يقدّم وعدًا لأحدٍ بأنّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلّا بعد اتّفاق جميع مكوّناتها على ذلك، حتّى يَعتبر باسيل أنّ اجتماع الحكومة هو نكثٌ بالوعد”. كما رأى أنّ “مسارَعة بعض أوساط التّيّار إلى استخدام لغة التّخوين والغدر والنّكث، خصوصًا بين الأصدقاء، هو تصرّفٌ غير حكيم وغير لائق”. بمعنى آخر، بيان الحزب لم يصف باسيل فقط بـ”الصّديق” بدلًا من “الحليف”، بل اتّهمه أيضًا بالكذب، ولو بطريقةٍ ملطّفة.
لا شكّ أنّ الخلاف العلنيّ المستجدّ بين طرفَي “اتّفاق مار مخايل” هو وليد “قلوب مليانة”، وكان قد أعلن رئيس “التّيّار” مرارًا الحاجة إلى إعادة النّظر في وثيقة الشّراكة هذه، موجّهًا سهام الانتقاد إلى أداء “حزب الله” ومواقفه في بعض المفاصل السّياسيّة. في هذا الإطار، يكشف عضو تكتّل “لبنان القوي” النّائب غسان عطالله، لـ”هنا لبنان”، أنّ “عدّة جلساتٍ حصلت لتطوير الاتّفاق وإدخال تعديلاتٍ عليه، لها علاقة بالمستجدّات اللّبنانيّة والفساد والهيكليّة الإداريّة للبلد وتطوير النّظام… إلّا أنّها لم تصل إلى الخواتيم المرجوّة”.
وعن مصير تفاهم مار مخايل، الّذي وُضع في مهبّ رياح المواقف والبيانات التّصعيديّة، يلفت إلى أنّه “يمكننا أن نعتبر ما حصل صدمةً، تدفعنا لدرس الاتّفاق بطريقةٍ حثيثةٍ أكثر، للوصول إلى نتيجةٍ أفضل وأوضح. فإمّا يتمّ تحديث الوثيقة وتكون هناك تعديلاتٌ وتفاهماتٌ على الأمور المصيريّة، بخاصّةٍ الدّستوريّة والميثاقيّة منها، أو لا ننجح في ذلك؛ مع العلم أنّنا واضحون في طروحاتنا ومواقفنا الدّاخليّة والاستراتيجيّة”.
رغم كلّ الاختلافات والخلافات الّتي طبعت السّنوات الأخيرة من عمر تفاهم مار مخايل، إلّا أنّه لم يلقَ بعد مصير تفاهم معراب. وعن أسباب تمسّك “الوطني الحرّ” به، يركّز عطالله على “أنّنا مع الشّراكة في الوطن، ولسنا مع عزل أيّ فريقٍ أو الوصول إلى خلافٍ داخليٍّ يودي بنا إلى الفتنة. بالتّالي نحن نسعى دائمًا إلى كلّ ما يعزّز التّواصل ومدّ الجسور بين المكوّنات اللّبنانيّة”.
إحدى العقد الأساسيّة الأخيرة في العلاقة بين “حزب الله” والتّيّار البرتقاليّ، مرتبطة بملفّ رئاسة الجمهوريّة، مع إصرار الأوّل على ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية ودعمه، ورفض الثّاني وصول خصمه فرنجيّة بشكل مطلق، خصوصًا أنّه يَعتبر باسيل مرشّحًا طبيعيًّا والأجدر لتبوّؤ سدّة الرّئاسة. وقد أُضيفت العقدة المرتبطة بجلسة الحكومة إلى سابقتها، واستتبعها اتّهامٌ علنيٌّ من نوّاب “لبنان القوي” لـ”الثّنائي الشّيعي” بتعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة وتطييرها؛ ليتحوّل بذلك الخلاف بين الفريقَين إلى حكوميّ- رئاسيّ.
غير أنّ وزير المهجّرين السّابق يؤكّد أنّ “الخلاف اليوم دستوريٌّ، لأنّه كان هناك التزامٌ واتّفاقٌ واضحان بأن تُعقد جلسة الوزراء بعد اتّفاق كلّ المكوّنات الحكوميّة، وإذا رَفض أيّ مكوّنٍ ذلك، فعندها لن تلتئم؛ لكنّ ذلك لم يحصل وسَبّب المشكلة الحاليّة”.
الرّدّ الأوّل لـ”التّيّار” على بيان حليفه، لم يتأخّر كثيرًا بل اتّخذ أسلوبًا جديدًا أشبه بالرّسائل المبطّنة، إذ صوّت اثنان من أعضاء تكتّل “لبنان القوي” في جلسة انتخاب الرّئيس الخميس الماضي، لـ”ميشال” (بدلًا من النّائب ميشال معوّض)، فيما كتب اثنان آخران كلمة “معوّض” على ورقتيهما، واختار نائبٌ خامسٌ تدوين “معوّض بدري ضاهر” على ورقة التّصويت. هذه الخطوة صنّفها البعض “نكايةً” أو ابتزازًا محدودًا لـ”حزب الله”، للإيحاء بأنّ التّيّار الوطنيّ قادرٌ على دعم مرشّحٍ لا يرضى عنه الحزب.
من جهته، يوضح عطالله أنّه “تمّ إرساء توازنٍ بين عدد الأوراق البيض وعدد الأصوات الّتي حصل عليها معوّض (39)، لعلّ الجميع يفهم أنّ الخيار الّذي يوصلنا إلى نتيجةٍ، هو رئيس تتفّق عليه أغلبيّة الكتل النّيابيّة، كي لا نبقى نبحث في المكان نفسه”.
بعد سنواتٍ من استفادة “التّيّار” من قوّة “حزب الله” وموقعه لتحقيق سلّةٍ من المكاسب السّلطويّة، أبرزها تأمين وصول عون إلى قصر بعبدا، مقابل حصول الحزب على غطاءٍ مسيحيٍّ وازنٍ لدوره والأهمّ لسلاحه غير الشّرعي؛ وَصل اتّفاق المنافع المتبادلة إلى مرحلةٍ شبيهةٍ بالعناية الفائقة. فهل وَقع الطّلاق بين الحليفَين، بعد 16 عامًا من الحبّ والوفاق العلنيَّين، أم أنّ المصالح المشتركة ستنجح في ترميم ما هدّمته المصالح الخاصّة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |