في الذكرى الرابعة لإقرار القانون 105/ 2018.. روايات مؤلمة عن المخطوفين والمخفيين قسراً والأهالي يرفعون الصوت
كتبت مريانا سري الدين لـ “هنا لبنان”:
تخيل أن تخرج من منزلك لشراء علبة سجائر وتعجز بعدها عن العودة إلى ديارك أو حتى طمأنة أهلك عن حالك. هذا ما حصل مع رشيد الذي خرج في 10 نيسان 1976.
تخيلي أن تحلمي بابنك كعازف غيتارٍ محترف ورجل أعمال كبير إلا أن حلمك سرعان ما يصبح رهينة عودته سالماً بعد فقدانه في ظروف مجهولة ومصير مرعب، وهذا كان مصير ماهر قصير الذي فقد في 17 حزيران عام 1982.
ولنتخيل أيضاً أن حتى الرقيب أول في الجيش اللبناني، جوزيف، لقي مصيراً مجهولاً بعدما خطف عام 1976 عندما غادر المنزل بحثًا عن الوقود في منطقة البربير التي عرفت فيما بعد بالخط الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية.
وتخيلي أن تسلكي طريقك إلى سوق الغرب لتسجيل أطفالك في المدرسة مع أربعة ركاب آخرين عندما تتوقفون عند نقطة تفتيش بالقرب من منطقة المتحف في بيروت، لتفقدوا بعدها، هكذا كان مصير ريا الأم، وسامية، منى، حنان ويونس الذين كانوا طلابًا متجهين إلى سوريا، وكان من المفترض أن يستقلوا طائرة إلى موسكو، حيث سيواصلون دراستهم. لكن بدلاً من ذلك، فقدوا جميعًا. وقد تم إطلاق سراح السائق فقط.
الروايات تلك ليست من نسج من الخيال ولا حتى من أحداث فيلم “أكشن”، بل قصص حقيقية عانتها عائلات لبنانية خلال الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975 وانتهت عام 1990، إلا أن معاناة الأمهات والأولاد والأشقاء لا تزال مستمرة حتى عامنا الحالي منتظرين عودة أحبائهم الذين اختفوا خلال الحرب ولا يزال مصيرهم مجهولاً وسط تقاعس السلطة الحاكمة عن معرفة مصيرهم مكتفيةً بإقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً (105/2018) وتشكيل الهيئة الوطنية وذلك بعد نضال طويل لأهالي المفقودين، إلا أن أصوات الأهالي لم ولن تخفت قبل معرفة مصير أبنائهم إن كانوا أحياء أو في السجون أو حتى أموات.
وفي الذكرى الرابعة على صدور القانون المذكور عقدت الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، مؤتمراً صحافياً أمس الأربعاء في نادي الصحافة، حيث أملت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني عن أهالي المفقودين أن يتم تعيين القاضيين الأخيرين ليكتمل عقد الهيئة بأعضائها العشرة.
وقالت: “في البدء كانت الحرب، وكان انزلاق بيروتنا إلى ذروة التمترس بين رصاصتين (بيروتتين). فكانت قضيتنا ولا تزال تقيم بين اشتياقين: اشتياق لأحبة غيبوا واشتياق للكرامة، كرامة الوطن والمواطن”.
وتابعت: “أربعة أيام مضت حافلة بالتصاريح إحياء ليوم أعلنته الأمم المتحدة يوماً دولياً لحقوق الإنسان.. شارف عمر هذا المحتفى به على الخمسة والسبعين عاماً. وللأسف، لا يزال، منسوب الانتهاكات يرتفع في لبنان، كما في محيطه العربي وفي العالم”.
وذكرت حلواني بأمرين: “الأول، أن (القانون 105/2018)، القانون الإنجاز، قد أبصر النور نتيجة نضال شاق طويل للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان ولحلفائها وأصدقائها من هيئات وأفراد آمنوا بأحقية هذه القضية. الثاني: أن ولادة الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، إبنة هذا القانون، أتت متأخرة عنه حوالي العامين. وهي على وشك ختم عامين ونصف من عمرها، إلا أنها لا تزال تواجه عقبات شتى لافتقارها إلى الحد الأدنى من مقومات، نص عليها قانون إنشائها، والتي تمكنها من القيام بمهمتها الإنسانية النبيلة”.
وأكد أنه “رغم المعوقات، عمل أعضاء هذه الهيئة وما زالوا يعملون بلا كلل أو ملل، وبتجاهل عداد الوقت والجهد والمال، إيمانًا منهم بحق الأهالي بمعرفة مصير أحبائهم، مضافاً إليه حق الشعب اللبناني بحياة حرة وكريمة، مفرداتها: حرية التنقل والرأي والمعتقد والطبابة والتعلم والعمل، كذلك حقه بحياة آمنة متمردة على معزوفة التأديب والتهديد بالعودة إلى مربع اقتتال امتد خمسة عشر عاماً”.
وقالت: “هذه الأحقية هي شبه مستحيلة ما لم تتم مواجهة مخلفات ذلك الذي مضى، والتصالح معه. فسياسة القفز فوق هذه المخلفات وتجاهلها، تبرر وتؤكد إمكانية تكرارها، حيث أصابع الرصاص، لا، ولن تتردد في تظهير جمر الرماد. كفى “تطنيشاً” وعبثاً بمصائر الناس، بمستقبلهم وبمستقبل جيل الشباب”.
ثم تحدث ممثل مجلس عمداء الجامعة اللبنانية الدكتور زياد عاشور باسم الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، متوجهاً برسائل أربعة: “الأولى إلى الأهالي مشيراً إلى أنه ربما تأخرنا في التواصل معكم بشكل مباشر، بالرغم من حضورنا إلى جانبكم في أكثر من مناسبة، ولكن ذلك لم يكن إهمالاً أو تقصيراً. كانت الهيئة خلال الفترة الماضية تكثف عملها حتى تصل إلى هدفها وتحقق مهمتها وهي الكشف عن مصير أحبائكم. ولكن حتى الآن لم نعط الإمكانات المادية واللوجستية والتنظيمية التي ينص عليها القانون للقيام بمهمتنا. نعدكم إننا، بالرغم من الظروف التي تعاكسنا، سوف نستمر في بناء المرجعية التي سوف تخرجكم من هذه المعاناة عبر الكشف عن مصير كل مفقود من عائلاتكم”.
أضاف: “الرسالة الثانية نتوجه بها إلى اللبنانيين (الرأي العام)، أن الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً هي أكثر من آلية وطنية إنسانية ذات هدف محدد، هي جسر العبور الذي من خلاله نستطيع كلبنانيين أن نبني وطناً حقيقياً لنا جميعاً وهذا يتطلب وقتاً وصبراً لتحقيقه”، مؤكداً أنها “هيئة مستقلة وتمثل المجتمع بكل قطاعاته”.
وتابع: “الرسالة الثالثة نوجهها إلى كافة المسؤولين والمعنيين (سلطات رسمية، أصحاب القرار، وقوى الضغط محلياً ودولياً): لكم نقول لا تسمحوا أن تترك هذه الهيئة وحيدة في مهب المجهول، أو في الظل والإهمال والتهميش. نعم، دعم الدولة خجول جداً ويكاد يكون منعدماً، وهو تهرب من تحمل المسؤولية”.
وأكد أنه “من غير المقبول أن تستمر الهيئة من دون مقر مناسب لها، ومن دون إصدار المراسيم اللازمة، ومن دون تأمين الدعم المالي والنفقات التشغيلية. وبشكل خاص نؤكد على واجباتكم في احترام استقلالية الهيئة وعدم العبث بمصيرها من خلال إبقاء القانون حبراً على الورق، وإبقاء الهيئة الوطنية عنواناً بلا متن”.
وختم: “الرسالة الخامسة موجهة إلى المجتمع الدولي، وتتمحور حول الشراكة المنتظرة بين الهيئة وبين الشركاء من المجتمع الدولي، والدور المنتظر منهم في سياق دعم الهيئة”.