“استراحة” المونديال تنتهي قريبًا… وإلى الأزمات دُرّ!
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
مواجهةٌ ناريّةٌ أخيرةٌ الأحد المقبل، قبل إطلاق صفّارة انتهاء مباريات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، فيَرفع أحد المنتخبَين الأرجنتيني أو الفرنسي كأس النّصر، ليعود الشّعب اللّبناني في المقابل إلى شرب كأس الخيبة والأسى، على واقعٍ مريرٍ آخذٍ في التّدهور أكثر فأكثر.
منذ 20 تشرين الثّاني الماضي، أَخرجت كرة القدم اللّبنانيّين -ولو جزئيًّا- من ملعب السّياسة الوسخ والمعقّد، لتُركّز اهتماماتهم على استاد “البيت”، الّذي يعجّ بالاندفاع والآمال والنّجاحات. ذاك المستطيل الأخضر شكّل المتنفّس شبه الوحيد لمن تمكّن من المواطنين من متابعة المباريات، بعدما سجّلت الدّولة اللّبنانيّة فشلًا جديدًا في مسيرتها، وعجزت عن الاستحصال على حقوق نقل المباريات للّبنانيّين بشكلٍ مجّانيٍّ عبر “تلفزيون لبنان”.
المقاهي والمطاعم الّتي أمّنت بثّ مجريات هذا الحدث العالمي، والّتي ازدانت بأعلام الفرق المشاركة، كانت بمعظمها “مفَوّلة” طيلة الأيّام الّتي شهدت مبارياتٍ كرويّة، كما أنّ بعض المناطق كانت تعجّ بالمسيرات الجوّالة وأبواق الابتهاج، احتفالًا بفوز أحد المنتخبات. الشّوق والحماس لم يتجلّيا فقط على أرض الواقع، بل كانا في أوجّهما أيضًا على مواقع التّواصل الاجتماعي، الّتي ضجّت بالأخبار الرّياضيّة والتّعليقات الطّريفة واللّقطات المميّزة والتّهنئات و”التّزريكات”. ولم تفارق الوسوم الخاصّة بمونديال قطر، قائمة الـ”ترند” في لبنان خلال الأيّام الـ27 الماضية.
على الرّغم من الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والاستشفائيّة الّتي يتخبّط بها لبنان، ومع أنّ الفراغ هو سيّد الموقف على الأصعدة كافّة، إلّا أنّ تفاعل اللّبنانيّين مع الرّياضة الأكثر جماهيريّة في العالم كان كبيرًا جدًّا، وبات معظم تركيزهم منصبًّا على المباريات؛ فهُم كانوا يتوقون ويبحثون عن أيّ نافذة أملٍ أو مصدر راحةٍ مؤقتة.
في هذا الإطار، توضح الاختصاصيّة في الصحّة الاجتماعيّة كارول متري، لـ “هنا لبنان”، أنّه “على الرّغم من كلّ الأزمات الّتي يعيشها اللّبنانيّون، إلّا أنّ من حقّهم أن يفرحوا مثل كلّ الأشخاص الآخرين، فلا يمكن لشعبٍ أن يستمرّ دون ترصّد مناسباتٍ يرفّه من خلالها عن نفسه”، مبيّنةً أنّها “طريقةٌ تمكّنه من تعبئة طاقةٍ إيجابيّةٍ، تساعده على التّخفيف من نسبة الإحباط واليأس والتّهميش، في هذا الوقت العصيب الّذي يمرّ به لبنان”.
هذا الـ”Break” الّذي عاشه اللّبنانيّون لن يستمرّ طويلاً، فبعد انتهاء المونديال سيعودون مجدّدًا إلى مواجهة الأزمات المتعدّدة، على وقع ارتفاعٍ مستمرٍّ في سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء، غلاءٍ فاحشٍ في الأسعار، ترقّبٍ لبدء تطبيق سعر الصّرف الرّسمي الجديد، مسرحيّاتٍ هزليّةٍ في جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة؛ وصحّةٍ نفسيّةٍ مدمَّرة!
وتشير متري إلى أنّ “الواقع في المجتمع اللّبناني مؤلمٌ جدًّا، فالكثير من العائلات غير قادرةٍ على توفير الحاجات الأساسيّة من غذاءٍ ودواءٍ ومسكنٍ… وهي تستغني عن معظم حاجاتها وترضى بالقليل”، مركّزةً على أنّ “المشاكل العائليّة تتفاقم، ظاهرة التّسرّب المدرسي تزداد، وهناك صعوبة في الحصول على الخدمات الصحّيّة، فمؤسّسات الحماية عاجزة عن دفع التّكاليف؛ وكلّ ذلك يؤزِّم الوضع”.
الملفت أنّ على الرّغم من كمّ المشاكل الثّقيل، إلّا أنّ المواطنين لم يتحرّكوا أو ينتفضوا بعد على مستوى واسع، بعد تجربة انتفاضةٍ أو ثورةٍ في عام 2019 لم تحقّق كلّ أهدافها. وتفسّر الأستاذة المدرسيّة هذا الجمود النّسبي، بأنّ “أكثريّة العائلات اللّبنانيّة سافر أفرادٌ منها للعمل في الخارج، وهم يمدّون أُسرهم بما توفّر لديهم من مال، وذلك يساعدها على الصّمود. كما أنّ شريحةً واسعةً من اللّبنانيّين تتأثّر بآراء الزّعماء وقادة الأحزاب، ولا نتلمّس حاليًّا أيّ مبادرةٍ للانتفاضة أو التّصعيد. وعدم وجود قادة رأيٍ بارزين ولاؤهم للوطن، ساهم أيضًا في هذا الرّكود المجتمعي”.
التّحذيرات كثيرةٌ من أنّ انفجارًا اجتماعيًّا بات قريبًا، وتؤكّد متري في هذا السّياق أنّه “إذا لم تحصل إصلاحاتٌ قريبةٌ يتعاون على إنجازها رجال الإصلاح في الدّاخل مع القوى الخارجيّة، فنحن أمام مفترق طريقٍ إمّا الفوضى أو الثّورة. وفي الحالتين، سيتمرّد النّاس على الظّلم، الفقر وغياب العدالة الاجتماعيّة”. وتشدّد على أنّه “لا بدّ للشّعب أن يعي حقوقه ويطالب بها، فقد أثبتت التّجارب على مرّ السّنين، أنّ لا أحد يستطيع إلغاء الآخر، والشّعب كلّه يعاني”.
لم ينتظر السّياسيّون لا كأس العالم لكرة القدم ولا غيره من المناسبات، ليسدّدوا ركلاتهم القاضية في مرمى اللّبنانيّين مباشرةً. ومن استطاع منهم الخروج من ملعب الـ ١٠٤٥٢ كيلومترًا مربّعًا، رُفعت في وجهه بطاقةٌ صفراء لا تخوّله العودة إلّا بعد سنوات؛ وللأسف كم من مواطنٍ رَفع في وجه نفسه بطاقةً حمراء وقرّر اعتزال العيش في لبنان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |