لقاء جنبلاط – باسيل باهت وبعيد عن “الإستدارة والتكويع”
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
بعدما بات وحيداً في السياسة من دون حلفاء، ووسط مجموعة كبيرة من الخصوم، “لأنه ما إلو صاحب” كما يقول معظم السياسيين اللبنانيين عنه، أصبح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مثالاً للعلاقات السياسية الفاشلة، والمليئة بالتناحرات والمناكفات والخلافات اليومية، فهو خسر الحلفاء حتى آخر رمق وآخرها حزب الله، والنتيجة أنّ رئيس “التيار” لم يربح شيعياً إنما خسر مسيحياً، مع كل ما حمل من تداعيات سلبية، على مدى سنوات عديدة وتحديداً منذ العام 2006، حين وقّع العماد ميشال عون تفاهم مار مخايل مع الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، تحت عنوان “حماية المسيحيين”، فإذا بذلك التفاهم يحمي كل شيء إلا المسيحيين، والدلائل كثيرة والأفضل عدم استذكارها، وكنيسة مار مخايل شاهدة على ذلك بعد أشهر قليلة من التوقيع…
لذا فالمشهد اليوم عزلة كبيرة لجبران، الباحث عن منفذ يعيده إلى الحياة السياسية السابقة، إذ وبعد خروجه الحزين والملبّد بالمناكفات من قصر بعبدا، في أواخر تشرين الأول الماضي، بدأ بالبحث عن علاقات جديدة فلم يجدها، لذا استعان بالقطعة بعدما فقد كل شيء، فحطت أنظاره منذ أيام على رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، المؤمن الدائم بالحوار والذي رحّب بوفد من نواب “التيار” قبل أكثر من شهر لبحث الملف الرئاسي معه، ومن هذا المنطلق أراد باسيل التواصل مع جنبلاط علّه يستطيع الحصول على استدارة منه في السياسة، خصوصاً أنّ رفضهما للمرشحين سليمان فرنجية وجوزف عون يجمعهما في هذه المرحلة، لأنّ جنبلاط لا يحب العسكر في قصر بعبدا، ومن هذا المنطلق أراد باسيل استمالته رئاسياً أو على الأقل كسبه لمرشح ثالث، أي اسم وسطي يبحث عنه، فانتشر خبر دعوته لجنبلاط إلى الغداء يوم الجمعة الماضي، وسط صمت مريب من قبل نواب “اللقاء الديموقراطي” ونواب “التيار الوطني الحر” الذين اتصل موقعنا بهم على مدى النهار، فأقفلوا خطوطهم، ومن ردّ على الهاتف إكتفى بالقول: “لست مطلعاً أو هي مجرد تسريبات لا أكثر”، ليظهر لاحقاً ضمن اجتماع مسائي في منزل ابنة جنبلاط السيدة داليا زوجة نجل السيّد بيار الضاهر ، والهدف فتح ولو ثغرة في الجدار المقفل، أي انطلاقة لتحقيق وساطة بين الخصوم لعلّها تفيد وسط هذه الظروف المأساوية والخطرة.
مصادر الطرفين التي اكتفت في اليوم الثاني بقول الجملة الشهيرة والدائمة “اللقاء كان إيجابياً”، لم تطّلع جيداً عليه أو طُلب منها قول ذلك، لأنّه في الحقيقة كان عادياً وخافتاً وباهتاً وفق معلومات خاصة بموقعنا، وقد تقصّد باسيل وضعه ضمن خانة اللقاءات البعيدة عن الإعلام، لأنه كان خائفاً من النتيجة وهو قالها صراحة بعد خروجه من الصرح البطريركي، وحضوره قداس الميلاد يوم الأحد: “لدينا العديد من الاجتماعات ولن تعرفوا بها، وعملنا مستمر ضمن فترة الأعياد”، موجهاً حديثه إلى الصحافيين.
إذاً باسيل غير الواثق من خطواته هذه المرة لا يمشي ملكاً، كما تجري العادة بل ضمن خطوات غير معروفة النتائج، أو على الأقل قريبة من السلبية، لأنّ الخصوم “كتار” ولم يعد أحد يثق به سياسياً، واللقاء أنتج صفر نقاط، ولم يتم التفاهم على الملف الرئاسي، لأنّ جنبلاط لم يستدر كما كان يراهن البعض، بل بقي على رأيه، وفق ما أكد مسؤول في الحزب “التقدمي الاشتراكي” لموقع “هنا لبنان”، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، قائلاً: “نحن منفتحون على جميع الأطراف ونلبّي أي مطلب من شأنه أن يساهم في الحلول، لكن مواقفنا معروفة ولا يمكن أن يغيّر رئيس الحزب رأيه… لا تخافوا”.
في غضون ذلك، يستعين باسيل بلعبة الوقت، علّ قطر تنقذه من العقوبات من خلال وساطتها مع واشنطن، إلا أنّ الوضع لا يطمئن من هذه الناحية، لذا يعمل على اختيار اسم ثالث قادر على جلب الأصوات ويكون مقرّباً منه، ولا تستبعد المصادر المتابعة أن يكون وزيراً سابقاً وسطياً، ومن المرجّح أيضاً أن يختار أسماء أخرى لاحقاً، لأنّ في جعبته شخصيات جديدة.
وفي السياق ستكثر اللقاءات الخفية من اليوم وصاعداً، لبحث الاستحقاق الرئاسي وفق أجندة رئيس “التيار”، لكن بالتأكيد ستبقى تراوح مكانها، لأنّ الانقسامات كبيرة وواسعة ومحتاجة إلى أعجوبة.