“لا دعم في الأردن”.. حركة فرنسية مكثفة لأجل لبنان والفاتيكان يتحرك
كتب طارق وليد لـ “هنا لبنان”:
خيبة قمة الأردن (بغداد ٢) التي عقدت في 20 و21 الجاري في البحر الميت، آمال المشاركين وبخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي علّق آمالاً كبيرة عليها وعلى القرارات التي ستصدر عنها، لا سيما بالنسبة لأزمة لبنان. لذلك كثّف ماكرون اتصالاته قبل القمة لضمان نجاحها عبر مشاركة القادة. وركز اتصالاته على إيران والسعودية لتأمين مشاركة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لضمان عقد “ميني قمة” بينهما على هامش القمة لتحقيق المصالحة ووضع خريطة طريق لتسوية كبرى في المنطقة تعزز الاستقرار والسلام. ولكن رئيسي الذي اعتذر عن المشاركة في قمة بغداد تحاشياً لأسئلة محرجة حول ما يجري في إيران ودور النظام وقمع المتظاهرين وتعليق المشانق والحد من حرية الإنسان وفق أوساط مسؤول عربي، وكلف وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان تمثيل إيران شرط “ألا يكون هدف القمة استهداف ايران، وإبعاد ما يجري داخلها عن المناقشات وعن البيان الختامي”.
وقد أجهض تخلف رئيسي عن الحضور إمكانية انعقاد “ميني قمة” بينه وبين ولي العهد الذي كلف وزير الخارجية فيصل بن فرحان تمثيل السعودية. ومع خطوة رئيسي وغياب بن سلمان انهارت مساعي ماكرون لإطلاق حلول أزمات المنطقة بدءاً من أزمة لبنان.
فيما انتهت القمة ببيان أقل من عادي خالٍ من التوقعات، كما غاب ذكر لبنان عن البيان حتى عبر الفقرة التي باتت “كليشيه” “تزين” أي بيان عربي. وقد عوض ماكرون في المواقف التي أطلقها عن لبنان ما غاب تناوله في البيان، كما دعا ماكرون العراق إلى مسار بعيد عن أي نموذج يُملى من الخارج وأكد أنّ سياسة فرنسا كانت عبر تاريخها التمسك بالاستقرار في المنطقة. كما أكد ممثلو الدول المشاركة “التعاون مع العراق لدعم الاستقرار وسيادته والعملية الديموقراطية فيه والابتعاد عن المحور الإيراني”، وذلك بحضورعبد اللهيان.
وقد رد رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني على هذه الدعوات مؤكداً “أن العراق يتمسك ببناء علاقات تعاون وثيقة ومتوازنة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وينأى بنفسه عن اصطفاف المحاور وأجواء التصعيد وينفذ سياسة التهدئة وخفض التوتر”.
تقول أوساط عربية مشاركة في القمة “لقد هدف حضور عبد اللهيان رغم معرفته المسبقة بأن لا “ميني قمة” مع السعودية، إلى التخفيف من وطأة الحملة على إيران والتوتر ضدها، وتأكيد إيران الإبقاء على التواصل وعلى رغبة في فتح علاقات طبيعية مع جيرانها لا سيما السعودية. وخفف عبد اللهيان في كلمته من تأثير التصعيد الإيراني في المنطقة، فدعا إلى اعتماد ثقافة الحوار، واعتبر علاقة إيران بالعراق النموذج لعلاقات إيران مع دول المنطقة. وشدد على الحوار والتعاون لتحقيق الاستقرار، فالحوار ليس خياراً بل ضرورة. واعتبر أنّ أمن المنطقة من أمن إيران وأمن إيران من أمن المنطقة.
ولكن لماذا تخلت إيران عن استخدام قمة الأردن لفتح صفحة جديدة مع السعودية ودول المنطقة كما تطالب؟ولماذا هذا الموقف الانكفائي؟ تعزو أوساط دبلوماسية عربية السبب إلى مواقف ماكرون الأخيرة وعدد من الدول الأوروبية مما يجري في إيران وانتقاد تصرف النظام مع “ثورة الحجاب” واتهامه بقمع الحريات. لقد شن مسؤولون غربيون حملة على النظام، واستقبل ماكرون وفداً من المحتجات الإيرانيات، وكانت له أمامهن مواقف شجب وإدانة للنظام لطريقة تعاطيه مع ثورة الحجاب. إلى هذا تضاف الحملة الغربية لا سيما الأوروبية على إيران لموقفها من الحرب في أوكرانيا وتزويدها روسيا بمسيرات وأسلحة. لقد نفت إيران هذه المعلومات رغم تأكيد الرئيس الأوكراني بالوقائع وجودها وأن الجيش أسقط مسيرات إيرانية.
إن هذه المواقف جعلت إيران تتصلب وتلجأ إلى التصعيد.
وفي رأي أوساط سياسية محسوبة على إيران أن فرنسا لم تعد دولة حليفة وماكرون لم يعد صديقاً لإيران كما كان، بل اصطف إلى جانب أميركا، لذلك طار الاستحقاق الرئاسي في لبنان إلى أجل غير مسمى.
لم تبدل مشاركة عبد اللهيان في مواقف المشاركين ومضمون البيان. فقد قال المشاركون الحقائق بوجه الوزير من دون قفازات ولكن بطريقة دبلوماسية، بدليل أنّ الدعوة لخروج إيران من العراق ليستعيد استقراره كانت واضحة وكذلك عدم تدخلها في شؤون دول المنطقة فهو يزعزع الاستقرار في بعضها.
ماذا بعد فشل مؤتمر الاردن؟ وماذا حل بالوعود والآمال التي علقت على القمة وما قد يصدر عنها من مصالحات؟ وأين ملف لبنان؟
تشير أوساط عربية متابعة أنّ ماكرون استعان بقطر انطلاقاً من دورها في المنطقة وداخل مجلس التعاون وعلاقتها مع إيران. فدولة قطر هي على تقاطع إقليمي ودولي، علّ هذه الوضعية تسهم في نزع فتيل الانفجار وانتزاع مواقف إيجابية من إيران ومن القوى المحلية في لبنان لا سيما حزب الله والتيار وتساعد على حل الأزمة اللبنانية الذي تعتبرها أوساط إقليمية المعبر لحل أزمات المنطقة. لقد تطرق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ملف لبنان على هامش افتتاح ألعاب المونديال في الدوحة بحضور ماكرون.
وتؤكد أوساط فرنسية أنّ ماكرون سيكثف اتصالاته ولقاءاته الثنائية ابتداءً من منتصف الشهر المقبل نافياً عقد مؤتمر دولي قريباً من أجل لبنان.
في السياق، يقول وزير سابق، أن الحركة لمسؤولي الفاتيكان، سرّعت الحركة الفرنسية والضغط الأميركي اللافت مع إشارات إيجابية واضحة لسعي قطري لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان.
وفي معلومات مسؤول سابق أنه سيكون للبنان رئيس وحكومة وخطة إصلاحية انطلاقاً من الربيع. إن كانون الثاني وشباط شهران حاسمان والرئاسة ستكون ضمن صفقة متكاملة ولن تكون خطوة مستقلة عن التسوية. وفي المعلومات إنّ باريس ستكون محور الاتصالات، وإن أسماء الرئيس وأعضاء الحكومة وبعض المناصب الحساسة باتت قيد التداول ضمن عملية غربلة مع خطة إصلاحية بأولويات المشاريع، وخريطة طريق إنقاذية ستنفذ برعاية دولية إقليمية عبر لجنة تمثل الدول المانحة والصناديق للإشراف على كيفية تنفيذ المشاريع وضبط الإنفاق، فلا سمسرات ولا صفقات ولا رشاوى بعد اليوم.
إن لبنان الجديد سينطلق مع العهد الجديد وفق دبلوماسي غربي لإنقاذ لبنان وإخراجه من أتون الفساد.