الدولار الجمركي والدولار “الأسود” يحولان دون خوض الصيادين غمار البحر لاصطياد أرزاقهم
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
“لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها”، هذا المثل لم يعد كافياً في يومنا هذا لمن يريد تعلم مهنة صيد السمك ولا لمن يريد أكل السمك حتى، وبات بحاجة إلى تعديلات في ظل الإرتفاع الحاصل في الدولار الجمركي وغلاء السمك المحلي ومعه المستورد.
عذراً يا سادة، فالسمك الذي يشكل الطعام المفضل لدى غالبية اللبنانيين، أصبح شراؤه محصوراً في دائرة الطبقة الوسطى والميسورة الحال، فيما تخلت الطبقة الفقيرة عن شرائه نظراً لضيق الحال المادية.
وفي هذا السياق يوضح جمال علامة وهو عضو في تعاونية صيادي الأسمال في حديث لـ “هنا لبنان” : “المعاناة كبيرة ومتعددة الأوجه من غلاء الدولار في السوق السوداء إلى غلاء المعيشة، فـ 90 % من الصيادين يستخدمون مادة المازوت لتشغيل محركات قواربهم، كما أن أسعار الشباك والحبال ارتفعت كثيراً، فعلى سبيل المثال كان سعر قطعة من الشباك بطول 100 متر 5 دولار وأصبح اليوم 15 دولار، إضافة إلى إرتفاع أجرة اليد العاملة التي تصنعها”؛ لافتاً إلى أن عملية بيع السمك تتم بالليرة اللبنانية، فيما كل متطلبات مهنة السمك ندفعها بالدولار الفريش من حبال وشباك ورصاص وفلين وهنا نضطر إلى تحويل ما قبضناه إلى الدولار، وفق سعر السوق السوداء وهذا ما يجعلنا نتراجع إلى الوراء.
بدوره يؤكد رئيس جمعية صيادي الأسماك في الجناح والرملة البيضاء إدريس عتريس التراجع الكبير في الإقبال على هذه المهنة، عازياً ذلك إلى سيف الغلاء الذي لا يرحم وهو يبدأ من البنزين الضروري لانتقال الصياد بسيارته أو حتى بدراجته النارية إلى الشاطئ، وليس انتهاءً بقطع الإكسسوار الخاصة بموتور القارب، وبعدة الصيد وطعام السمك.
ويضيف أن الصياد الذي يذهب للصيد هو من لديه دولار، لكن الشريحة الأكبر من الصيادين هم من الفقراء، فواحدهم يعيش كل يوم بيومه ولا أحد يعينه، ونحن لم نعد قادرين على الذهاب إلى عمق البحر، الذي كنا نقصده قبل الأزمة.
ويبدو أن طيف الدولار الجمركي أتى ليزيد الطين بلة، إذ يشدد عتريس على أن كل متطلبات المهنة باتت مدولرة، والإرتفاع في سعر السمك لا ينحصر بالسمك المحلي بل وانسحب على الأسماك المستوردة، ومنها الأفريقي والخليجي والتركي والأوروبي بفعل الضغط الذي خلقه الدولار.
وفي لغة الأرقام يعلق علامة مشيراً إلى أنّ أقل سعر كيلو سمك لا يقل عن 150 ألف، ومن لديه عائلة فهو يحتاج على الأقل لـ 2 كيلو، وهنا يجد نفسه مضطراً إلى خيارات أخرى بينها اللحوم أكانت البيضاء أو الحمراء، لتحضير “طبخة” لعائلته كخيار أضمن في مواجهة جوع أفراد عائلته.
المعاناة لا تتوقف هنا، فمن المعروف على مدى السنوات العشر الماضية التلوث الذي يصيب الشاطئ اللبناني جراء مياه المجارير التي تصب فيه من أكثر من مصدر، فضلاً عن آلاف الأطنان من النفايات والفضلات غير المعالجة التي يتم التخلص منها مباشرة في البحر سنوياً وفق العديد من خبراء البيئة وكأن صياد السمك لا يكفيه ما يعانيه من مصائب ومشاكل… وتراجع باب رزقه إلى الحدود الدنيا بعد أن أصبح كل شيء في مهنته مدولراً.
“طعام السمك ضروري ولو بمعدل مرة شهرياً، لكن “الله يعين” اللبناني الدولار يلاحقه حتى إلى عمق بحره، بالطبع الغلاء انعكس على كل شيء، وليس على أسعار السمك فقط، والفارق أنه في حال أردت اليوم أن تقيم سفرة سمك فإنك تعد للعشرة قبل الإقدام على هكذا خطوة” يعلق أحمد ف. (37 عاماً) زبون إحدى بسطات السمك في محلة الأوزاعي.
وفي الختام يناشد عتريس جميع الوزراء والمسؤولين المعنيين بهذا القطاع لإنقاذه قبل فوات الأوان، والإلتفات إلى وضع الصيادين الصعب والمرير، بعد أن بات الدولار الجمركي وسعر الدولار في السوق السوداء يشكلان عامل ضغط على مصدر رزقهم ولقمة عيش عائلاتهم “لكن وللأسف لا آذان مصغية حتى اليوم” يقولها بغصة واليأس يغير ملامح وجهه إلى أجل لا يعلمه إلا الله.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |