دروس الحبتور
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
وسط ظلال بيروت قبل المغيب، يعلن رجل أعمال إماراتي باقتضاب أنه يعتزم إعادة فتح فندقه الضخم، ويشرح أن الهدف ليس تجارياً، لأن بيروت لم تعد مقصداً للسياحة المستدامة، بل الهدف مساعدة اللبنانيين في أزمتهم، وتوظيف العشرات وربما المئات منهم، في زمن بات شباب لبنان يتطلعون فيه لأقرب سفارة.
يعطي خلف الحبتور درساً لكثرة من اللبنانيين، وفي طليعتهم معظم الطبقة السياسية اللبنانية التي تحول رجالها إلى سماسرة. رجل الأعمال الإماراتي، الذي استثمر في لبنان، وأحب هذا البلد، وكتب عنه الكثير، يجازف ببعض ما يملك، ليس طمعاً بربح بل أملاً في أن يصب بعض الماء في يباس الانهيار.
بالمقابل لنتأمل ما قام به سياسيو لبنان. حكمت المافيا هذا البلد بسلاح الطائفية والتحريض، وبوسائل السرقة المنظمة والنهب والفساد، حتى وصل معظم رموزها إلى الشعور بحالة من التخمة، بعد أن امتلأت الحسابات المصرفية في الخارج بعشرات مليارات الدولارات، وبعد أن انتفخت المحافظ العقارية، بكمٍّ هائل من الأملاك والعقارات، تكفي هؤلاء لولد ولد الولد.
لقد أثروا حتى التخمة، فالصفقات شملت كل شيء، وكانت بالتشارك والتفاهم بين الجميع. جنوا المليارات من التلزيمات، في قطاعات الكهرباء والاتصالات والصرف الصحي والنفايات، سطوا على أملاك الدولة وسجلوها باسم أبنائهم وأحفادهم، سرقوا ودائع الفقراء والأغنياء. وزّعوا الرشاوى الزهيدة على المناصرين الحمقى والفاسدين، فصنعوا جيوشاً بشرية وإلكترونية من الأتباع والتابعين، وحاصروا كل من يمتلك صفة مواطن نظيف، وأجبروه على السكوت أو على الفرار في أول قارب، أو إلى أقرب سفارة.
هم الآن منتشون لأن ثورة اللبنانيين قد أجهضت. لقد عادوا إلى لعبتهم القديمة بعدما اطمأنوا إلى ركود الغضب، وإلى سريان اليأس.
كشروا عن أنيابهم فتوقف عمل المؤسسات، وساد الفراغ، وزاد منسوب الهبوط إلى الأسفل، وعمّ الفقر وغاب الأمل، وكيف لا، وهذه الوجوه الكالحة تملأ شاشات اللبنانيين نعيقاً مكرّراً ممجوجاً، وتردد ما تعبت الآذان من سماعه.
يضيء رجل الأعمال الإماراتي شمعة في ظلام أهل السياسة اللبنانيين، ويعلمهم أمثولة ليست على جدول أعمالهم. كأنه يقول لهم هذا البلد الذي يحبه أصدقاؤه العرب، يستأهل أن يدار بحكم رشيد، برؤية إلى المستقبل، بضمير من يقدس روعة ما خلقه الله فيه من جمالات فائقة.
كأنه يقول، نحن صنعنا من الصحراء وطناً أخضر، فكيف يتحول الوطن الأخضر إلى صحراء قاحلة، لا أخلاق فيها لأولي الأمر، ولا رادع عن ارتكاب المعصيات.
تعطي دروس الحبتور أملاً وثقة بلبنان الوطن المميز. هذا الإصرار على رؤية الشمس وهي تشرق على لبنان، رغم ظلام المافيا الحاكمة، فيه الكثير من العبر والمعاني.
هذه العين الثاقبة التي لطالما آمنت بأن تميز هذه البقعة من الأرض، لا يقتصر على الجبل والحرش والقرميد والبحر، بل لأن فيها يعيش أناس استطاعوا أن يصنعوا نموذجاً رائداً في بلاد العرب وفي العالم.
أمثولة الحبتور تقول للبنانيين التردّي ليس قدراً، ولبنان الذي نعرفه لا يموت.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |