“الجمهور مش عاوز كده”


أخبار بارزة, خاص 6 كانون الثاني, 2023

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

لا يشبه السجال غير المباشر الإقليمي، وعن بعد، بين أمين عام الحزب المسلح ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي، سوى الزجل من فوق السطوح بين الأمين العام نفسه وحليفه “رئيس التيار الوطني الحر”، ففي الحالتين تطمين إلى التمسك بما أنجز وعدم الجرأة على خربطة المعادلات التي أنجبتها المراحل المنصرمة، أو جرى تأكيد الالتزام بها، من “الهدنة المسماة “قواعد الاشتباك” مع العدو الإسرائيلي، إلى “ورقة التفاهم” الشهيرة المكنّاة بـ “ورقة مار مخايل”. وفي الحالتين ضبط “لطيف” للمواجهة والخلاف، والعداء، تحت غبار الشعارات السياسية “التحذيرية”، و”قمّتها” وصف حكومة اليمين الإسرائيلي بأنها من “الخوت والمجانين والمتطرفين والمجرمين” والطمأنة إلى الثبات على “عدم السماح بأي تغيير في قواعد الاشتباك وموازين الردع” والتمسّك، ضمناً، باتفاقية الترسيم الحدودي البحري الموقعة مع حكومة يائير لابيد. أما على الجبهة الداخلية فليس أدلّ على الضيق من الحليف، ردًّا على تلويحه المتكرر بفكّ التحالف مع “الحزب” على خلفية تناقضهما تجاه الملفين الرئاسي والحكومي، سوى القول له “ما حدا جابرك” على التحالف مع “حزب الله”، لكن “لن نسحب يدنا من يدك إلّا إذا سحبت يدك من يدنا”.

لكنّ الواقع يكذّب “التمرجل” الخطابي على الجهتين، فالحزب لا يجهل خطورة الوضع الدولي والإقليمي، ويعرف أنّ العالم يعرف أنّه لن يخربط جنوباً إلّا إذا احتاجت إيران ذلك، كما في حرب تموز الشهيرة، ويعرف مدى حاجته، داخلياً إلى غطاء مسيحي، طالما أن أبواب معراب موصدة منذ 2005 تحديداً، وأن سمير جعجع، قائد حزب “القوات اللبنانية”، لن يفاوض على سيادة الدولة واستقلال القرار الوطني، ولا على انتماء لبنان إلى محيطه العربي، أو القبول بالانتساب إلى أي مشروع إقليمي مناقض لهذه الهوية.

وفي المقابل، يدرك باسيل أن “تيار المستقبل” ملتزم بقرار رئيسه بالابتعاد عن المشاركة في الحياة السياسية بمواصفاتها الراهنة، وأصلاً لا يشكل النواب المحسوبون عليه حالياً قوة وازنة في مجلس النواب، كما يعرف أن لا بديل لديه من دعم الحزب المسلح، لإيصال مرشحيه في أي انتخابات، نيابية أو نقابية، تبقيه على المسرح السياسي.

إذاً، هذا الزجل السياسي لا يغيّر في المشهد اللبناني الخرِب، الذي عنوانه الفعلي استمرار التخبط السياسي إلى أن يأتي إيحاء من “روح قدس” تولد من رحم إعادة رسم الخرائط الإقليمية والدولية، فيذعن المتخاصمون والمتواجهون ويأتي الرئيس المنتظر.

في انتظار “اللحظة السعيدة”، يجري ملء الفراغ بخطابات شد الجمهور الحزبي، وترميم الاسترخاء السياسي بمسكنات التهويل على الخصم، سواء خارجياً أو داخلياً: في الجنوب تلويح بالقوة العسكرية، النائمة، وفي الداخل بطرح دعوات إلى حوار لا يوضح أحد عناوينه، وإلى انتخاب رئيس توافقي لا تعريف لتوافقيته، أي بوضوح إدخال البلاد والعباد بما لا يُسكت جوعهم إلى حلول للأزمات، ولا أملهم في احترام المواعيد الدستورية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية ينهي جهنم التي بشّر بها الرئيس السابق ميشال عون. لكنّ هذا الأمل هو كـ “أمل إبليس بالجنة” لأنّ الطبقة السياسية، بجديدها والقديم، أعجز من أن ترسم مخارج من المستنقع الوطني، وليس أدلّ إلى ذلك من أنّ أحداً منهم، أو من أحزابهم، وخبرائهم الماليين والاقتصاديين رفع مستوى النقاش من الأنين ممّا يجري إلى تقديم حلول استراتيجية تعيد لبنان إلى طليعيته. فالمطلوب ملء الفراغ بالخطاب غير المناسب. المهم إلهاء “الجمهور”… لكن الجمهور مش عاوز كده.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us