إيران تُحوّل لبنان إلى صندوق بريد.. عبد اللهيان أوصل رسالته وطمأن الحزب
بعدما بدأت إيران تستشعر عزلها وتجاهل دورها في المنطقة خصوصاً بعد ثورة الحجاب، حاولت الإفادة من حليفها في لبنان وفائض القوة الذي يتمتع به، مستخدمة ملف الاستحقاق الرئاسي لاستعادة نفوذها.
كتب طارق وليد لـ “هنا لبنان”:
أكّدت أوساط مطّلعة أنّ ملفّ الأزمة اللبنانية والشغور الرئاسي كان خارج جدول أعمال زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، فقد اقتصرت الزيارة على بحث شؤون اليمن ومواضيع إقليمية وعربية، وطمأنة حزب الله لسلامة الوضع داخل إيران، وأنّ ما يجري هو ترجمة لتدخّل خارجي.
وجاءت هذه الزيارة بمثابة ردٍّ إيرانيّ على تجاهل دورها في المنطقة وعدم دعوتها إلى اجتماع موسكو، وعدم مشاركتها في التحضير للمصالحة التركية السورية التي تعمل موسكو عليها، بالإضافة إلى التطورات الإسرائيلية والغارات على مواقع إيران وحزب الله في سوريا، وعدم دعوة إيران إلى اجتماعات باريس، وتجاهل وجودها في مؤتمر الأردن (بغداد 2) وتجميد اللقاءات السعودية الإيرانية.
وقد استهلّ عبد اللهيان جولته من بيروت بدلاً من دمشق، لأنّ “حلفاء” إيران في الآستانة تجاهلوا دورها الإقليمي الفاعل، وأشاد بدور المقاومة مشدّداً على “أنّها في أبهى حالاتها سواء في لبنان أو في فلسطين”.
كما أتت زيارة الوزير الإيراني بعد اجتماع وزيري خارجية السعودية ومصر في القاهرة وصدور بيان مشترك “أكّد على محورية مصر والسعودية في دورهما الريادي في تحقيق الاستقرار في المنطقة سياسياً واقتصادياً”. وغمز البيان من قناة إيران من دون أن يسمّيها بـ “تهديد الاستقرار وتقويض مصالح الشعوب عبر أدوات التحريض العرفي والمذهبي”، فأرادت إيران من خلال الزيارة بعث رسالة إلى عواصم غربية لا سيما باريس بعد توتر العلاقات الأوروبية الإيرانية على إثر حرب أوكرانيا والعقوبات على النظام الإيراني لقمعه الحريات وثورة الحجاب.
هذا التوتر في العلاقات بين إيران والغرب، لا سيّما بعد تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بنائب وزير الدفاع السابق علي أكبر رضا (يحمل جنسية بريطانية)، قد انعكس على الملف النووي فأدّى إلى تجميده ووصوله إلى طريق مسدود، ولا تظهر في الأفق أي بوادر قريبة لاستئناف اجتماعات فيينا، طالما أنّ إيران لم تتجاوب مع الشروط الغربية بالإعلان عن استخدام النووي لأغراض سلميّة وليس حربية ووقف المنظومة الباليستية وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة.
ومن جهتها، تقول أوساط دبلوماسية أنه استناداً إلى هذه المعطيات لم يكن أمام إيران سوى التصعيد وإشعال الجبهات التي تقع تحت سيطرتها والعمل على تعزيزعلاقتها مع روسيا بعد تزويدها بالمسيّرات التي استخدمتها في حربها على أوكرانيا، وهذا ما أكّده الرئيس الأوكراني.
كما أنّ التطوّرات التي طرأت في سوريا وسعي روسيا لمصالحة تركيا مع سوريا تعزّز المحور الروسي السوري التركي، وقد وجدت إيران نفسها خارج هذا المحورمعزولة ومهمّشة رغم التأكيد التركي لعبد اللهيان أنّ منصة الآستانة قائمة (روسيا تركيا إيران) لحل أزمة سوريا. ولذلك وبعد كل هذه التطورات تسعى إيران إلى تثبيت نفوذها ودورها وحضورها في المنطقة.
وفي هذا السياق يرى خبير سياسي عربي أنّ نفوذ إيران بدأ يتقلّص بعد عمليات قمع ثورة الحجاب، إذ تعقد اجتماعات أمنية سعودية – حوثية في سلطنة عُمان لإنهاء الحرب في اليمن وتحويل الهدنة إلى مشروع سلام، كما أنّ الحكومة الجديدة في العراق “رفضت” أن يكون العراق ممرًّا للسلاح الإيراني إلى لبنان فاتّخذت إجراءات تحدّ من هذه الحركة بضبط الحدود ما أدّى إلى فتور في العلاقات مع العراق التي لم تكن على جدول زيارات عبد اللهيان. ولذلك، لم تجد إيران أمامها إلّا ساحة لبنان لاستخدامها كورقة ضغط باعتباره صندوق بريد سريع لعواصم القرار لحساسية وضعه لدى العواصم الغربية والعربية.
إلى ذلك تكشف مصادر مطّلعة أنّ إيران أوكلت إلى “حزب الله” مهمّة أمر عمليات، رغم موافقته على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي اعتبرته اتفاقاً على طريق التطبيع. وهو اتفاق لتحقيق الأمن والاستقرار، كبّل حركة حزب الله وجعله غير قادرعلى الخروج عن مسار السلام.
فيما تقول أوساط في المعارضة أنّ هنالك أدلّة كثيرة على التزام الحزب الأمن والاستقرار والسلام، فموقفه من الاستحقاق الرئاسي يعكس بعضاً من هذه القيود، إذ لم يقدم على تسمية مرشّحه (سليمان فرنجية) وكلّف الرئيس نبيه بري تسويقه لأنّ الحزب غير قادر على إيصاله كما فعل مع العماد ميشال عون عام 2016، بينما يدعو هو، أي الحزب، إلى الحوار والتوافق متلطّياً وراء الرئيس بري.
وقد قرّرت دول أوروبية فرض عقوبات على من يعرقل انتخاب الرئيس رغم أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يجارِ نُظراءه الأوروبيين بوضع “حزب الله” والحرس الثوري على لائحة الإرهاب وفرض عقوبات على إيران، لأنّ ذلك سيؤدي إلى وقف أيّ تواصل مع إيران كلاعب إقليمي في المنطقة للبحث عن حلول.
فهل يمكن للغرب وتحديداً لفرنسا المفوّضة من قبل أميركا والمدعومة أوروبياً وفاتيكانياً وقطرياً ومصرياً وسعودياً أن تنجز الاستحقاق الرئاسي في ظلّ التوتر الغربي الإيراني وغياب أيّ اتّفاق إيراني سعودي؟
يقول أحد الخبراء أنّ إيران بعدما واجهها الغرب والعرب باللامبالاة خصوصاً بعد تداعيات ثورة الحجاب، تحاول الإفادة من وجودها في لبنان عبر حليفها حزب الله وفائض القوة الذي يتمتع به، باستخدام ملف الاستحقاق لتستعيد دورها ونفوذها وعلاقاتها في المنطقة ولكن ليس بشروطها بل بشروط مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان.