نصرالله وباسيل والرقص على أنقاض الدولة
من مفارقات الأزمة التي يتخبّط فيها لبنان ومهازل الطبقة السياسية أنّ نصرالله وباسيل يختصران بشخصيهما الحياة السياسية ومصير البلد.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
جبران باسيل يتحدى “حزب الله” برفضه انتخاب سليمان فرنجية رئيساً، وحسن نصر الله ممتعض ولكنه لا يعلق ولا يعلن تبني ترشيح فرنجية. باسيل يرفض انعقاد مجلس الوزراء لأن ذلك يشكل انتقاصاً من صلاحيات رئيس الجمهورية ويرفض المساومة على “حقوق المسيحيين”! فيما نصر الله لا يعلق ووزراؤه يشاركون في الجلسة ويؤمنون النصاب. وعشية انعقاد الجلسة الثانية، باسيل يحذر من أن عقد الجلسة “سيأخذنا إلى أبعد بكثير من ضرب التفاهمات”، ونصر الله يرد مؤكداً أن مشاركة حزبه لا تشكل طعناً للشراكة والميثاقية التي يتغنى بها باسيل، و”ورقة التفاهم” الموقعة بين الطرفين في 2006 تترنح، وغير ذلك الكثير…
من مفارقات الأزمة التي يتخبط فيها لبنان ومهازل الطبقة السياسية أن نصرالله وباسيل يختصران بشخصيهما الحياة السياسية ومصير البلد. يمارس الاثنان منذ عدة أشهر بعبثية لافتة ما يشبه “لعبة القط والفأر” بتجاذب كرة ما يعتبره باسيل “حقوق المسيحيين” ونصرالله كرة “حماية ظهر المقاومة” على ما عداهما من مشاكل ومآسٍ يعاني منها اللبنانيون منذ سنوات! وبين كرٍّ وفرٍّ يحاول كل طرف تسويق “بضاعته” مما يزيد في تعميق التجاذب الفئوي والشرخ المذهبي، وكونه بالأخص يحصل ضمن الفريق الواحد الذي حكم البلد ست سنوات متجاهلاً مسؤولياته عن الانهيار الخرافي الذي فضح المنظومة التي نهبت الدولة، وأدى إلى ضرب الاقتصاد وشل المؤسسات، وإلى جعل لبنان معزولاً عربياً ودولياً وملحقاً بأمبراطورية الملالي في إيران. وفي المقابل يؤدّي هذا السجال المسرحي إلى إلهاء الناس بالاصطفاف الزعاماتي والطائفي، وإلى نسيان الفراغ الرئاسي وتعميمه على مجمل مواقع ومؤسسات الدولة. وتزداد خطورته في كون الفراغ هذه المرة ربما يستمر ويدوم أكثر من المرة الماضية التي دامت سنتين ونصف السنة لكي يتمكن “حزب الله” من فرض ميشال عون رئيساً. أما اليوم فلا أكثرية نيابية لدى “حزب الله” والثلاثي الذي أوصل عون إلى بعبدا في تشرين الأول 2016 انفرط عقده وانهارت ركيزته الحريرية. كما أن الكباش بين نصر الله وباسيل هو حول فرنجية “الحليف الممانع النقي والمخلص” الذي رفض الرئاسة في 2016 كرمى لعيون نصر الله، فإنه مرشح للاستمرار إذ أن “حزب الله” لم يسبق أن تراجع في المحطات الرئيسية، خاصة وأنّ نصرالله قد طمأن أمس الأول أخصامه بأن “لا تنتظروا تسوية في المنطقة” أي بين طهران وواشنطن من شأنها أن تشمل الرئاسة في لبنان، وأكمل بأنّ المطلوب “رئيس يواجه أميركا”.
فما هو رأي باسيل بهذا الكلام؟ رئيس التيار العوني كان قد شنّ حملة على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي متّهماً إياه بمخالفة الدستور والميثاق مظهراً عن جهل أو عن قصد ضعف إلمام بهما، إذ لا يتضمن الدستور أي مادة تنصّ على عدم جواز دعوة الحكومة للاجتماع إذا كانت مستقيلة وتقوم بتصريف الأعمال، وإنما المادة 62 تنص على أنه “في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”، كما تنص المادة 64 في البند الثاني على أن “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”. فهي لا تنصّ صراحة على عدم الاجتماع، ويبقى مصطلح “المعنى الضيق لتصريف الأعمال” قابلاً للاجتهاد والتأويل، ولا يعني بالتالي أنّ الاجتماع يشكل مخالفة للدستور! أما في ما يخصّ الميثاقية فإنّ النقطة “ي” من مقدمة الدستور تنصّ على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، وهذا يعني أنّ الحكومة لا تزال تجسد الميثاق بمفهومه التأسيسي (1943) طالما تشارك وممثلة فيها الطوائف كافة رغم مقاطعة الوزراء العونيين، كما أنه بالمقابل الميثاقية لا تعني التمثيل الحزبي مثلما يحاول باسيل أن يوحي ويفرض. وكانت النتيجة أن اجتمعت الحكومة بنصابٍ فاق الثلثين (18 وزيراً) ولزم باسيل الصمت بعد طول صراخ وضجيج!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |