رحل لقمان سليم.. وبقيت “صديقته الشريرة”!


أخبار بارزة, خاص 4 شباط, 2023

اغتيال لقمان سليم كشف أنّنا نتشاطر الوطن وَجِهاتٍ مجرمة، تحترف القتل لتصفية كل من يعارضها، وأنّ هذه الجهات لم تكتفِ بالدائرة الدموية التي قيّدت لبنان بها منذ عام 2005 وتحديداً اغتيال الرئيس رفيق الحريري.


كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:

كانت صديقة لقمان سليم الشريرة أكثر جرأة منّا، واضحة، لمّاحة، لاذعة، تقرأ كل الصحف، وتتابع كل المستجدات، وتراقب كل التصريحات، كانت أشبه بـ “رادار”.

لم تتردّد هذه الصديقة لسنوات عن رفع الصوت، كانت حقاً “صفر خوف”، وربما لم تدرك أنّ جموحها هذا سيُخرج – ذات مساء – كاتم الصوت عن طوره، فيخطف في لحظة غدر صديقها الوفي.

أحياناً أسأل:

هل صديقة لقمان الشريرة هي مَن قتلته؟

هل هناك من لم يتحمّل صوتها فأردى صديقها، لربما يسرق قوّة حنجرتها؟

ربما،

ولكنّها لم تصمت، فالصديقة تجذّرت وتشعّب منها أصدقاء وصديقات “شريرون” بالمعنى الذي أراده لقمان، هؤلاء خرجوا عقب الاغتيال فواجهوا الكاتم بـ “صفر خوف”، وبحثوا وما زالوا يبحثون عن العدالة!

اغتيال لقمان، الذي يطوي اليوم عامه الثاني، هو اغتيال كشف الكثير، كشف أوّلاً زيف بعض المعارضة الشيعية، ولربما لقمان في سمائه ابتسم مرّات عدّة وهو يرى وجوهاً كانت تتفاداه كي لا تتحمّل صدى صوته، تجلس في الصفوف الأولى، تتقبل التعازّي برحيله وكأنّها عائلته، وتحرص على الظهور في الصور الكبرى.

لقمان يعرف هؤلاء جيداً، ويدرك أدواتهم، ربما هو أيضاً كان يستلذّ بهذا التفادي الذي يزيح عنه ثقل الادّعاء.

وكشف ثانياً، أنّنا نتشاطر الوطن وجهات مجرمة، تحترف القتل لتصفية كل من يعارضها، وأنّ هذه الجهات لم تكتفِ بالدائرة الدموية التي قيّدت لبنان بها منذ عام 2005 وتحديداً اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

اغتيال لقمان، كشف أيضاً الوجه الآخر، لسيدات أحطن به، وهنّ، الأم، الأخت والزوجة. هؤلاء كنّ وصيّة لقمان متجسدة، وشكّلن امتداداً لصوت الصديقة الشريرة.

في الساحات يحضر لقمان، وكأنّه حيّ، تحمل صورته هؤلاء السيدات، يحتضِن ألمهنّ آلام أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، يبحثن وإياهم عن العدالة، والمحاسبة.

الحديث عن لقمان مع شقيقته رشا الأمير، له نكهة خاصّة، فتجتمع ذات الأخت مع الأديبة والناقدة، هي تدرك جيداً من هو لقمان، فكره، دماغه، ماهيته، ولذلك هي تعلم أنّ من اغتاله كان واعياً لبشاعة جريمته.

“الانتصار بقتل الجسد ليس انتصاراً”، يقول ناشر موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين لـ “هنا لبنان”، مؤكداً أنّ: “لقمان فكرة، وهو مسار وخطّ وموقف ورأي”.

وفق الأمين فإنّ “الرصاص الذي لا يجد حلاً سوى بقتل الجسد يكون مهزوماً، ولقمان هو رجل سلام وقول وكلمة ورجل عدل وباحث ومن لا يستطيع مقارعته هو حتماً المهزوم”.

يستدلّ الأمين بكلامه إلى البذرة التي زرعها لقمان، هي بذرة تورق وتزهر، معلقاً: “ها نحن اليوم في ذكرى لقمان نطلّ على نتاجه الفكري والأرشيفي والبحثي ومؤسساته تزدهر واليوم في وسط الضاحية الجنوبية ينظّم أحباء لقمان احتفالاً يليق به، والقاتل ينظر حتماً إلى هذا الاحتمال، وهو إن فكر بنوع من الإنصاف وبحساب الربح والخسارة، لأيقن أنّ الخسارة أقل لو لقمان حيّاً، فلقمان أصبح حاضراً أكثر بموته، وهذا إن دلّ على شيء فعلى مبدأ أنّ الكلمة أقوى من السيف، وأنّ قتل باحث ومفكر لن يطمس ماهيته بل على العكس ستنتشر كلماته أكثر وسيصبح أقوى حضوراً وهذا هو واقع الحال”.

أما فيما يتعلّق بالشقّ القضائي، فينقل الأمين كلام شقيقة لقمان رشا الأمير، والتي قالت إنّ الملف ليس فارغاً ولكن هناك عوائق أمام إصدار أيّ قرار اتهامي، مردفاً: “من يتجرأ على إصدار هذا القرار في بلد مثل لبنان؟ فقد تحوّلت السلطة القضائية إلى هدف تحاول بعض الجهات إسقاطه”.

غير أنّ القضية وفق الأمين ستبقى حيّة، والمتابعة موجودة وهناك إصرار على ذلك إن من قبل عائلة لقمان أو من قبل الأصدقاء والمناصرين للعدالة.

وعمّا إن كان الخوف تضاعف بعد اغتيال لقمان في صفوف المعارضة، فيوضح الأمين أنّ “مسألة الخوف قائمة، إذ لا يمكن أن نخوض معركة مع السلطة ومع المنظومة القائمة وعلى رأسها حزب الله وأن نتوقع مقابلاً غير مقلق، ولكن هذا لن يؤدي إلى التراجع بل يزيدنا إصراراً، ونحن هنا نستلهم بمقول لقمان الشهيرة “صفر خوف”، ونحاول الوصول إلى المعادلة التي سبقنا إليها لقمان كي نصل إلى إقامة لبنان دولة القانون والوعي والحرية”.

في المقابل، يعتبر الباحث الأستاذ مكرم رباح في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ “هناك سردية كان يحاول البعض ترسيخها قبل اغتيال لقمان، وهي القول بأنّ كلامه كان فارغاً وغير مؤثر، وهنا نسأل هؤلاء، لو كان ما يقوله لقمان غير مؤثر ما الذي دفعهم إلى التجرؤ على اغتياله؟”، مضيفاً: “قاتل لقمان سليم غبي لأنه عمّم فكر لقمان سليم ونضاله على جزء من الشعب اللبناني لم يكن على اطلاع عليه، كما كشف جانباً من لقمان وهو الجانب العائلي، أيّ الأم والأخت والزوجة وما أظهرنه من صمود في وجه كلّ ما يواجهونه”.

إلى ذلك يؤكد رباح أنّ “الملف القضائي في اغتيال لقمان سليم موجود، ولكن السلطة القضائية كما السياسية متواطئة ولا يتم اليوم إعطاء أوامر صريحة للضابطة العدلية كي تتوسع في التحقيق”.

ويكشف صديق لقمان لموقعنا أنّ “العائلة طالبت الدولة اللبنانية بالتواصل مع اليونيفيل وطلبت تسجيلات الفيديو لرصد تحركات القتلة، ولكن الدولة لم تتحرّك والقاضي المعني في الملف غير متعاون”.

وفي الختام يوضح رباح أنّ “موقف عائلة لقمان سليم واضح جداً، نحن نطالب بتدخل دولي يدعم القضاء اللبناني كي يتم جلاء الحقيقة، واليوم وخلال إحياء ذكرى لقمان كانت مواقف سفراء الدول الكبرى واضحة، إذ أكّد هؤلاء أنّهم قدموا المعونة في ملفي اغتيال لقمان وجريمة مرفأ بيروت ولكن الدولة اللبنانية لم تكن جدية”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us