“خماسية باريس”: الكرة في ملعب اللبنانيين… فهل يبادرون؟
لم يقرأ المسؤولون اللبنانيون التحولات الخليجية خصوصًا والدولية عمومًا، “عقولهم” مازالت متوقفة عند مرحلة أنّ الخليج “خزنة مساعدات وهِبات” وأنّ الغرب لا اهتمامات لديه سوى عقد مؤتمرات لدعم لبنان.
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
إثر الفراغ الرئاسي في أيلول 1988، تحرَّكت مبادرة عربية من ست دول سُمّيت “اللجنة السداسية العربية” وكانت برئاسة وزير خارجية الكويت الذي أصبح في ما بعد أميرًا لدولة الكويت. في إحدى جولات المحادثات مع الأفرقاء اللبنانيين، وكان ذلك في تونس، سئل الشيخ صباح: “… ومتى تعتقدون أن اللجنة السداسية ستصل إلى نتيجة إيجابية في مجال معالجة الأزمة اللبنانية؟”، فأجاب سائله: “حين تقترب المعالجات من النضوج، تكون دفة القيادة قد أصبحت في يد الأشقاء في المملكة العربية السعودية”.
أصاب الشيخ صباح في ما قاله، فحين اقتربت المعالجات من مرحلة النضوج، انتقلت القيادة من دفة اللجنة السداسية العربية، برئاسة الكويت، إلى اللجنة الثلاثية العليا برئاسة المملكة العربية السعودية وعضوية المغرب والجزائر، وهي اللجنة التي قادت إلى مؤتمر الطائف.
لماذا هذه المقدِّمة المسهبة؟ وما هي أوجه المقارنات بين عام 1989 و2023؟
كأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن مع بعض الفروقات الثانوية.
الاجتماع الخماسي في باريس، كأنه يشبه اجتماعات اللجنة السداسية العربية، فهو في أحسن الأحوال من صنف اجتماعات “التحمية ” échauffement ، قبل بدء المباراة الحقيقية. فرنسا اليوم تلعب دور الكويت في اللجنة السداسية العربية، وهي تعرف أنه حين تبلغ المعالجات مرحلة النضوج، تنتقل دفة القيادة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى المملكة العربية السعودية، وطالما أن هذه المرحلة بعيدة، فإن المعالجات بعيدة، وما يجري ليس أكثر من ملء الوقت الضائع أو تقطيع الوقت، إلى حين الوصول إلى الظروف المهيِّئة للانتخابات الرئاسية.
الذين عللوا النفس بتحقيق شيء ملموس من اجتماع باريس، يبدو أنهم يقرأون في كتاب “المنهج القديم في الديبلوماسية الدولية”، لم يتسنَّ لهم الاطّلاع على “المنهج الجديد” الذي عكفت على وضعه الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، بمساعدة مميزة من فرنسا وبعض دول الخليج. يقوم “المنهج الجديد” على أنّ الدول التي تحتاج إلى مساعدة يجب أن تبادر وتطرح ما تعتبره ضروريًا وحيويًا ومجديًا، لا أن تنتظر المبادرة من الآخرين، بمعنى أن لا “طائف جديدًا” ولا “دوحة جديدة” بل “بيروت أولى… وأخيرة”، على قاعدة “ساعِدْ نفسك تساعدك السماء”.
لم يقرأ المسؤولون اللبنانيون التحولات الخليجية خصوصًا والدولية عمومًا، “عقولهم” ما زالت متوقفة عند مرحلة أنّ الخليج “خزنة مساعدات وهِبات” وأنّ الغرب لا اهتمامات لديه سوى عقد مؤتمرات لدعم لبنان. لكن الحقيقة هي عكس ذلك، ففي ترتيب الاهتمامات الدولية قد يأتي لبنان في المراتب الأخيرة: فرنسا، داخليًا، منهمكة بقانون التقاعد وبتعديلاته والذي يلقى اعتراضًا واسعًا. خارجيًا، منهمكة بحرب أوكرانيا وكيفية دعم حليفها زيلنسكي. عربيًا، فرنسا مهتمة بكيفية الاستثمار في العراق. في ظل هذه الأولويات، أين يقع الاهتمام بلبنان؟
دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية والكويت، لم تبخل يومًا في مساعدة لبنان، لكن هذه المرة لم تعد المسألة بهذه السلاسة بل وفق منطق مؤسساتي من دولة إلى دولة، على سبيل المثال لا الحصر، هناك 22 اتفاقية بين لبنان والسعودية، فلماذا يتلكأ لبنان، من جانبه، في البدء في تنفيذها؟
معطى جديد طرأ بالنسبة إلى “فلسفة القروض”، عبَّرت عنها بكل وضوح دولة الكويت: الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أعاد النظر في سياسة منح القروض والمنح، تمهيداً لإقرار سياسة جديدة تقوم على تحقيق مصالح الكويت في المقام الأول، وأن يكون القرض الممنوح لأي دولة ذا مردود إيجابي للبلاد، وستتم إعادة النظر في إعطاء القروض بلا مقابل، فضلاً عن مراجعة الأعمال الإنسانية البحتة التي لا تحتوي على أي أجندة.
هل يقرأ المسؤولون اللبنانيون هذه التحولات؟ لكل دولة من الدول الخمس التي اجتمعت في باريس، حساباتها الخاصة، فهل يتعظون؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |