الاستشفاء بالدولار.. والمسنون خارج اهتمامات الدولة
بات إقرار قانون ضمان الشيخوخة حاجةً ملحّةً على المستوى الوطني، لأنّه يحفظ لكبار السنّ بعض حقوقهم المشروعة في بلد تضيع فيه حقوق كل مواطنيه، فكيف ستكون الحال بالنسبة للفئة الأكثر ضعفاً وهشاشةً من الناحية الإنسانيّة؟
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
بالتزامن مع التغيّرات التي أصابت المجتمع اللبناني في السنوات الأخيرة زادت الأعباء الاقتصاديّة والمعيشيّة على كاهل الأسرة اللبنانيّة، ما أدّى إلى بعض التحوّلات على صعيد الأسرة ولا سيّما على مكان إقامة المسنّين وأوضاعهم الغذائيّة والصحيّة.
فالأزمة المعيشيّة وعدم توفّر التغطية الصحيّة وتقاعس الجهات الضامنة وهجرة الكثير من الشباب، جميعها عوامل أدت إلى تخلّي بعض الأبناء، وخاصّةً المتزوّجين منهم، عن آبائهم ونقلهم إلى دُور الرعاية أو للعيش مع أقارب لهم أو لوحدهم.
ففي الوقت الحالي، 77% من كبار السنّ يعيشون في منزلهم الخاصّ مع آخرين، و11% يعيشون في منزل أشخاصٍ آخرين أو في مآوٍ، والبقيّة أي ما نسبته 12% من المسنّين يعيشون في منازل مستقلّة.
أما في ما يتعلّق بعمل المسنّين، فالعديد من كبار السنّ يواصلون ممارسة الأنشطة الاقتصاديّة المختلفة، ويُعزى ذلك إلى غياب أو محدوديّة التأمينات والحماية الاجتماعيّة وغياب أو قصور معاش التقاعد عن توفير مستلزمات الحياة الكريمة، فيواصلون العمل بعد بلوغ 64 عاماً لتأمين متطلّبات الأسرة إلى جانب شريحةٍ ممّن يرغبون بالاستمرار في المشاركة والحركة والعطاء والإنتاجيّة.
إضافةً إلى أنّ نسبةً عاليةً من كبار السنّ يعانون من الأمراض المزمنة، مع ما يستتبع ذلك من رعايةٍ طبيّةٍ واستشفائيّةٍ ودوائيّةٍ باهظة التكلفة.
ويوضح الدكتور سايد درغام طبيب القلب والشرايين، في حديث لـ “هنا لبنان”، أن الأزمة الاقتصاديّة الراهنة انعكست على كافّة المحتاجين إلى معاينةٍ أو علاجٍ أو استشفاء؛ ولا شكّ أنّ فئة المسنّين هي الأكثر حاجةً إلى الطبابة والاستشفاء، وذلك بغياب ضمان الشيخوخة وبفعل الانهيار المالي لجهات الضمان المتعدّدة التي كانت فاعلةً سابقاً.
ويضيف “من تجربتي اليوميّة، إن كان في عيادتي أو في المستوصفات والمستشفيات التي أعمل بها، لاحظت تراجعاً في نسبة إقبال المرضى في السنتين الأخيرتين، وذلك بفعل عدم القدرة على تسديد بدلات زيارة الطبيب (علماً أنّ بدل المعاينة في المستوصف أقلّ من العيادة)، مع ملاحظة أنّ الأطّبّاء عموماً – في هذه المرحلة – يتقاضون أقلّ ممّا كانوا يتقاضونه قبل الأزمة، ورغم ذلك تبقى التكلفة على المرضى -وخاصّة المسنّين منهم- عاليةً بفعل التضخّم المالي”.
وحال مراكز التصوير والتحاليل الطبيّة لا تختلف كثيراً، حيث أنّ المريض بات يخشى أن يجري فحوصاتٍ أو تحاليل أو صوراً شعاعيّة، لعدم قدرته على تحمّل تكاليفها.
أما في ما يخصّ المستشفيات، يقول درغام،” هنا المشكلة الأكبر، لأنّ نسبةً تتجاوز الـ 95% من المسنّين لم يعودوا يملكون تغطيةً من أيّ مؤسّسةٍ ضامنة؛ فمن لا يملك تأميناً يدفع أقساطه لشركاتٍ بالدولار، سيجد نفسه غير مؤمّن؛ أمّا لو كان مقيّداً في صندوقٍ من صناديق الضمان التابعة للدولة، والتي لم يعد بمقدورها الدفع إلّا بنسبةٍ لا تذكر، فسيكون عليه تسديد الفواتير الاستشفائيّة كاملةً بالدولار، أو يُحرم من العلاج. هذا ما عدا مؤسّسة الجيش، التي لا تزال تغطّي أفرادها وعائلاتهم إستشفائيّاً”.
هذا الواقع، يحتّم على الدولة إدراج المسنّين في أولويّاتها أينما كانوا، شأنهم شأن الأجيال الصاعدة خصوصاً أنّ المقاييس والمعايير العائليّة والمجتمعيّة تغيّرت.
وفي هذا الإطار، يبقى إقرار قانون ضمان الشيخوخة حاجةً ملحّةً على المستوى الوطني، لأنّه يحفظ لكبار السنّ بعض حقوقهم المشروعة.
ومن الضروري أيضاً، أن تتحرّك الدولة لإقامة دُور رعايةٍ لكبار السنّ بشقَّيها، الإقامة الدائمة والرعاية النهاريّة. علماً بأنّ المؤسّسات التي ترعى المسنّين في لبنان، يعود تاريخ وجودها إلى بداية القرن العشرين، حيث كان لها دور محدود يقتصر على إيواء كبار السنّ المشرّدين، وتقديم بعض الخدمات لهم من طعامٍ وشرابٍ ومنامةٍ مع مراقبةٍ طبيّةٍ محدودة. وفي منتصف القرن العشرين، ومع اهتمام المؤسّسات اللبنانيّة ذات الطابع الديني، تتالى إنشاء المؤسّسات الخيريّة لرعاية كبار السنّ، وتطوّرت فكرة الخدمة المؤسّساتية، فأصبحت تتميّز ليس فقط بالخدمة الفندقيّة بل رافقت ذلك العناية الطبيّة والتمريضيّة. ومع نهاية القرن العشرين، أصبح في لبنان مؤسّسات متخصّصة لرعاية كبار السنّ خصوصاً العجزة منهم.
وجاءت أحداث تشرين 2019 وكورونا 2020 والانهيار المالي والاقتصادي في السنوات الأخيرة، لتضيف عبئاً على دُور الرعاية وعلى الأُسر التي تحتضن مسنّين في الوقت عينه.
فإن لم يتمّ التحرّك الرسمي على وجه السرعة، والاستجابة للواقع المستجدّ، ستتفاقم الصعوبات والمشاكل الاجتماعية على هذه الفئة الأكثر ضعفاً وهشاشةً من الناحية الإنسانيّة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |