لبنان بين النواح والأفراح
مقابل حالة الغضب المتلحّف بالجوع والفاقة وعدم الاقتدار على تأمين دخل يغطّي مستلزمات متواضعة، فاجأني مشهد الاكتظاظ في مطاعم الدرجة الأولى في عيد العشّاق بما ينفي أيّ علاقة للبلد بحالة فاقة.
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
شاهدت أمواتاً قفزوا من قبورهم في بعض أحياء طرابلس وبيروت وصيدا وبدأوا بقطع الطرق وإجبار أصحاب المحال على إقفالها احتجاجاً على تردّي الوضع المعيشي النّاتج عن تدهور سعر صرف اللّيرة.
وشاهدت إبليس الّذي يقود منظومة تحالف السّلاح والفساد يقهقه ويصفّق للجياع ويحرّضهم على توسيع رقعة العنف لتشمل مختلف أرجاء الوطن فيما ينهمك الإعلاميّون بإجراء مقابلات مع ما عُرف بـ “الجائعين الغاضبين”، الذين لا تجني أيّ عائلةٍ منهم مبلغ الـ 500 دولار شهرياً لتؤمّن الحدّ الأدنى المقدّر لعيش يسدّ رمق الجوع بما يتناسب مع احتياجات الحدّ الأدنى وفق مقياس شرائح خط الفقر.
“الشعب جوعان”، قال أحدهم لإعلاميّة تغطّي حالة الغضب. “دخلي لا يكفي بدل النقل بالسرفيس أو الفان إلى مقرّ عملي”، قال آخر.
مقابل حالة الغضب المتلحّف بالجوع والفاقة وعدم الاقتدار على تأمين دخل يغطّي مستلزمات متواضعة من دون ذكر نفقات التعليم والعناية الصحية والكهرباء ومياه الشّفة والتدفئة في فصل البرد القارس، فاجأني مشهد الاكتظاظ في مطاعم الدرجة الأولى وعلى أبواب محالّ بيع المعسل والسجائر والحلويات والورود في عيد العشّاق وصدمني مشهد السيارات الفاخرة في المواقف الملحقة بالملاهي والمقاهي والمطاعم بما ينفي أيّ علاقة للبلد بحالة فاقة.
المتحدّث باسم إحدى دور العجزة يشكو في مقابلة إذاعية من عدم توفّر القدرة المادية لشراء مادة المازوت الضروريّة لتأمين التدفئة للمسنين “لأنهم بيبردوا بفصل الشتاء، وبحاجة إلى مياه دافئة لتحميمهم والمحافظة على نظافتهم وغسل ثيابهم”.
هذا، بالإضافة إلى تدني رواتب الموظفين المتخصّصين بمساعدة المسنّين ما يضطرّهم للتخلّف عن تأمين دوام العمل على مدار الأسبوع، وفق ما قاله مدير دار المسنّين قبل أن يشوّش زعيق عوادم سيارة السبور في الموقف على صوت راديو السيارة ما أفقدني القدرة على سماع بقيّة ما شكا منه.
في مطعم ملحق بمول قصدته لشراء سندويش قال لي نادل أعرفه منذ زمن: “صار لي 12 سنة بهذا المحل عمري ما شاهدت مثل هذه الزحمة على قسم السوشي، وبيقولولك الشعب طفران”.
“طفران وفالت على السوشي،” أضاف النادل بتهكم وسألني: “شو طلبت إستاذ؟” أجبته بتهكّم أيضاً: كنت بدي أطلب فلافل بس الهيئة صايرين بس كلاس سوشي. ممنونك”.
توجهت إلى محمصة لشراء كيلو بزر لزوم نقرشة السهرة، توقفت قربي سيارة رباعية الدفع سوداء اللون موديل 2023 كنت قد شاهدت شقيقتها في دعاية على شاشة التلفزيون ونزلت منها سيدة فائقة الأناقة، دخلت إلى المحمصة وطلبت من موظف البيع “ذرة محمصة بس ما مقلية وبلا ملح”.
“باردون ستنا كلو مقلي ومالح،” ردّ الموظف، ومع ذلك طلبت المدام 2 كيلو “لزوم سهرة السان فالنتان” كما لفظتها.
بعض عباقرة التحليل الاستراتيجي ينافسون المنجّمين ويتوقّعون اضطرابات شارعية بسبب التردّي الاقتصادي، والبعض يتوقع إفلاس البلد كونه غير مدرك أن البلد انهار من زمان، والبعض يتحدث عن عمليات اغتيال وخطف لقاء فدية، وكله ممكن، بل مرجح، بدليل أنني ما زلت أرى إبليس قائد منظومة تحالف السلاح والفساد يقف على قمة جبل صنين ويصفّق للغضب والغباء باعتبارهما السبيل الوحيد لمنع تقدّم أيّ تحقيق يمكن أن يؤدّي في نتيجته إلى المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
المطلوب، بالنسبة لأبالسة السلاح والفساد، ليس إنقاذ البلد عبر خطة تعافٍ أو استنهاض، بل المطلوب هو حماية مصالحهم عبر منع المحاسبة والمحافظة على الإفلات من العقاب. يبدو أنّ عبارة كلّن يعني كلّن صحيحة بالفعل وليس فقط بالقول.
وبعيداً عن تناقض المشهد اللبناني بين النواح والأفراح بدأت جارتنا الجنوبية بالإنتاج والتصدير من حقل كاريش فيما أعلنت المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي أنّ لبنان ينتظر أن تستكمل شركة “توتال” الفرنسية التزاماتها بحفر بئر واحد فقط في البلوك 9 لا تزيد فرضية العثور على النفط فيه عن نسبة 18%.
وأضافت في مقابلة إذاعية أنّ هناك احتمالاً كبيراً أن لا تجد شركة “توتال” أي شيء في الحقل بعد الحفر، وفي حال وجدت، عليها الجلوس مع الجانب الإسرائيلي لتناقش معه حصته من العائدات من كل شيء يتم ايجاده تحت الخط 23.
يبدو أن لبنان، سواء في الداخل أو مع الخارج، يعيش حالة تناقض بين واقع النواح وأحلام الأفراح.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |