هجمات غير بريئة على المصارف.. ما هي خلفياتها؟
ترجمة “هنا لبنان”
كتب روجيه مرعب لـ “Ici beyrouth“:
لا يمكن وضع الاعتداءات التي حدثت يوم الخميس الماضي على بعض المصارف في حي بدارو السكني في بيروت، في إطار الغضب الشعبي بسبب تسجيل سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية محزنة حيث سجل 82 ألف ليرة للدولار الواحد.
بعكس قطع بعض الطرقات من الشمال إلى الجنوب والذي يُعتبر تعبيراً طبيعياً عن الغضب واحتجاجاً من قبل لبنانيين استنزفوا بالكامل، هؤلاء الضحايا الحقيقيون للفراغ الهائل الذي حلّ مكان الدولة، هذا الفراغ المسؤول عن الأزمة التي يغرق فيها اللبنانيون، بينما يسعد برؤية القطاع المصرفي يتحمّل وحيداً كلّ الضربات..
غضب هؤلاء مشروع ومفهوم، فالانهيار الحاد في قيمة العملة اللبنانية حرم اللبنانيين من أيّ إمكانية للاستمرار في بلد تعيش فيه قوى السلطة الحاكمة منفصلة عن حاجات البلد والشعب رغم مرور أكثر من سنتين على أزمة لم يشهدها لبنان من قبل.
ولكنّ مسألة الهجمات ضد المصارف فهي مسألة مختلفة تماماً، لأنّها جزء من سلسلة أحداث تتداخل فيها السياسة والقضاء والاقتصاد.
وهناك سؤال طبيعي يُطرح نفسه هنا: لماذا اختار المهاجمون منطقة بدارو؟ وهي حي سكني يضم أيضاً العديد من المطاعم والحانات، حيث تواصل هناك الحياة وتيرتها اليومية بهدوء، لا يقطعه ليلاً سوى صخب روّاد السهر ومحبي الحفلات. كما أنّ بدارو غير بعيدة عن عدة مواقع ونقاط للجيش. فهل اختيار المكان كان القصد منه دفع القوى الأمنية للتدخل من أجل حدوث صدام مع “المتظاهرين”؟ كما تبيّن لاحقاً أنّ هؤلاء المحتجين ليسوا من عملاء هذه المصارف حتّى!
لقد بدأت هذه الهجمات من قبل جمعيّتي “صرخة المودعين” و”متحدون”، وهاتان المجموعتان أصبحتا أدوات تنفيذية تستخدمها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون غبّ الطلب في حملتها ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والقطاع المصرفي ككلّ. فالقاضية عون ماضية في حرب انتقائية بلا هوادة، حيث تتشارك الأهداف مع التيار “العوني” الذي تُعتبر مقرّبة منه. وهذا التيار نفسه كان قد أعلن صراحة الحرب على قائد الجيش العماد جوزيف عون، منذ طرح الأخير كمرشّح محتمل لرئاسة الجمهورية بعد ميشال عون، مؤسس “التيار الوطني الحر”.
وقبل أسبوعين، كان رئيس التيار الحاليّ جبران باسيل، الطامح لرئاسة الجمهورية، يحاول أن ينال من سمعة قائد الجيش متّهماً إيّاه بالتّعدي على صلاحيات وزير الدفاع، المقرّب من التيّار، وبالتصرف ببعض المخصصات كما يشاء.
هذه الاتهامات غير المبررة وذات الدوافع السياسية الصريحة، أدّت إلى إطلاق حملات سياسية ودبلوماسية مؤيدة لجوزيف عون.
كما تأتي الهجمات على المصارف استكمالاً للإجراءات القضائية التي قامت بها القاضية عون الأسبوع الماضي ضد المصارف والمسؤولين عنها، المشتبه به بتبييض الأموال. كما تأتي بعد قبول الطعنين التمييزيين المقدمين بداية هذا الشهر ضد “فرنسبنك” ونقض القرارين المطعون فيهما الصادرين عن محكمة الاستئناف المدنية سابقاً. وقد تولى الدعوة أمام محكمة الاستئناف المحامي رامي عليق من تحالف “متحدون”.
وكانت المصارف قد أقفلت أبوابها احتجاجاً على هذا الاستهداف، ما سجّل قفزات هائلة في السوق الموازية.
وكان يمكن للمسؤولين التعايش مع هذا الوضع لولا تزايد الضغط الدولي على لبنان، وذلك بفضل اجتماع باريس حيث ناقش ممثّلو فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر ومصر موضوع سبل الضغط للتوصل نحو مخرج لأزمة بلاد الأرز. وقد أكّدت نتائج الاجتماع الخماسي بأنّ الضغط لن يتوقّف حتّى تنفيذ إصلاحات جدية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي هذا السياق تسارعت وتيرة الإجراءات القضائية ضد المصارف وحاكم مصرف لبنان وقد ترافق ذلك مع إثارة شائعات عن عقوبات أميركية محتملة ضد رياض سلامة نُسبت إلى مصادر أمريكية لكن سرعان ما نفتها واشنطن.
ومع دخول العامل الدولي في اللعبة، نشهد اليوم شكلا مختلفاً من استعراض القوة من أجل تسجيل نقاط عبر انتخابات رئاسة الجمهورية، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الاضطراب في لبنان الذي أصبح لعبة ملاكمة للذين يبحثون عن حفظ وتعزيز مكاسبهم. هذه ليست حال “التيار الوطني الحر” فقط، وإنما أيضاً حال حليفه “حزب الله”. فالحليفان تأقلما مع الانحدار إلى جهنم اللبنانيين، ولا يبدو أنهما مستعدّان للإفراج عن انتخابات الرئاسة قريباً على الأقل ليس قبل أن يحصلا على مرادهما منها. وقد كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، واضحًا للغاية بشأن هذا الموضوع عندما رد يوم الخميس، بشكل غير مباشر على المشاركين في اجتماع باريس حيث أكد خلال مداخلة متلفزة أن “كل دول العالم لن تستطيع فرض رئيس في لبنان”. وهو إذ انتقد مرة أخرى السياسة الأمريكية لأنها مسؤولة حسب رأيه عن الأزمة في لبنان، فإنه ركز على إطلاق تهديدات مباشرة ضد واشنطن وتل أبيب. ووفقاً لنصر الله، فإنّ الولايات المتحدة هي مصدر الاضطرابات الحالية في البلاد، وأنها – أي الاضطرابات- قد تؤدي إلى الفوضى. وقال محذّراً: “إذا دفعتم لبنان نحو الفوضى فتوقّعوا فوضى في كل المنطقة”.
مواضيع ذات صلة :
إرهاب الدولة ودولة الإرهاب | الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة | الخطيب من بكركي: نحن أهل الدولة ورعاتها وحماتها |