ضحايا الإجراءات المصرفية.. أزمة الدولار تهدد مستقبل آلاف الطلاب اللبنانيين المغتربين
كتبت جنى الدهيبي في “الجزيرة”: بين فرنسا وأوكرانيا، افترق الشقيقان التوأمان مارون وميشال حميصم (21 عاما)، لإكمال دراستهما الجامعية، بعد أن فقدا الأمل في بناء مستقبلهما في بلدهما الأم لبنان.
ومنذ نهاية عام 2019، وقعا كآلاف الطلاب اللبنانيين المغتربين حول العالم، ضحية الإجراءات المصرفية التي تمنع عائلاتهم من تحويل الأموال لهم، إلا بشروط يصفها كثيرون بالتعجيزية.
مارون الذي بدأ دراسته في إحدى جامعات مارسيليا قبل 4 سنوات على نفقة عائلته، يروي من فرنسا لـ”الجزيرة نت” قصته مع شقيقه المغترب في أوكرانيا، بعد أن كان والدهما يرسل لكليهما 500 دولار شهريا.
وبعد انهيار العملة الوطنية من 1507 لأكثر من 8 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، أصبح تأمين المواطن اللبناني لهذا المبلغ مستحيلا (500 دولار تساوي أكثر من 4 ملايين ليرة).
يقول مارون إنه يعيش ضغطا كبيرا بعد أن أصبح يعمل بأجر يومي في أحد المستشفيات كي يُؤَمّن مصروفه والتحويلات المالية لشقيقه، في ظل عجز والده عن شراء الدولار من السوق السوداء ومنع المصرف له من إرسال الأموال، لكن في نهاية المطاف سيضطر أحد التوأمين إلى التضحية بالعودة للبنان، وفق مارون.
من ألمانيا، تحكي ميرنا (30 عاما) قصتها مع شقيقاتها الثلاث اللواتي هاجرن بهدف الدراسة الجامعية خارج بلد لا يعرف الاستقرار، وفق تعبيرها.
هاجرت ميرنا إلى ألمانيا منذ 11 عاما، ثم لحقت بها شقيقاتها الصغيرات، لكنها توقفت عن الدراسة لسنوات بسبب عارض صحي، وبعد شفائها طلب منها والدها استئناف دراستها العليا في الهندسة الكهربائية والمعلوماتية، مقابل أن يساعدها ماديا.
تشكو ميرنا لـ”الجزيرة نت” معاناتهن بعد أن توقف والدها منذ آذار الماضي عن إرسال التحويلات لهن، فصرن عاجزات عن تأمين أبسط حاجاتهن، وهي تبذل قصارى جهدها لمساندة شقيقاتها في محنتهن.
تقول “يقضي والدي وقته بتوسل المصرف كي يسمح له بتحويل مبلغ بسيط لنا من دون جدوى، بينما خسر قيمة راتبه، فصار هو نفسه فقيرا”.
لم يتوقع الطالب اللبناني ألكسي كنبريان (20 عاما) أن يعيش مثل هذه الضائقة بعد أن هاجر إلى فرنسا لإكمال دراسته الجامعية قبل 3 سنوات.
وقال كنبريان لـ”الجزيرة نت” إنه في نهاية 2019، جمع مبلغا ماليا حمله معه لفرنسا تحسبا للأزمة، لكنه منذ 6 أشهر يعيش ظروفا صعبة نتيجة عجز والده عن تحويل أي مبلغ لحسابه.
لم يتمكن الطالب اللبناني من العمل إلا لشهر واحد فقط بسبب إجراءات تفشي كورونا، فلجأ لبعض الجمعيات الخيرية واستدان من رفاقه، كما أن صاحب الغرفة التي يقطنها ما زال يمهله الوقت لتسديد مستحقاته المتراكمة، على حد قوله.
من لبنان، تحكي السيدة إلهام مبارك قصة ابنتها يارا التي قررت استئناف دراستها العليا في إسبانيا.
تقول إلهام لـ”الجزيرة نت” إن ابنتها أصيبت قبل أشهر بفيروس كورونا في محل إقامتها، ولم يسمح المصرف بتحويل كلفة علاجها، رغم إبراز الأوراق التي تثبت مصاريفها العلاجية.
وتابعت أنه بعد شفاء ابنتها، اتجهت يارا لإعطاء الدروس الخصوصية لتأمين كلفة معيشتها وقسط جامعتها، لأنها لا تريد العودة لجحيم لبنان قبل تحقيق حلمها الدراسي، وفق والدتها.
الدولار الطلابي
وفيما يعجز المصرف المركزي عن رفد المصارف اللبنانية بالمبالغ المطلوبة بالعملات الأجنبية، تتخلف هي الأخرى عن تطبيق قانون “الدولار الطلابي”، الذي أقره البرلمان في أول تشرين الأول الماضي، والذي يقضي بإلزام المصارف اللبنانية دفع مبلغ 10 آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1507 ليرة عن العام الدراسي 2020/2021 للطلاب اللبنانيين في الخارج، ليشمل المسجلين فقط قبل عام 2019، بحجة أنها لم تحصل على تعميم من المركزي في هذا الشأن.
هذه الأزمة التي يعاني منها أهالي آلاف الطلاب مع المصارف منذ أشهر، دفعتهم أخيرا إلى تفجير غضبهم في الشارع، فاعتصمت مجموعة منهم أمام المركزي، كما نفذت مجموعات أخرى تحركات أمام المصارف التي حاولوا اقتحامها بصرخاتهم ودموعهم بوجه الأمن للمطالبة بحق تحويل الأموال لأبنائهم في الخارج.
ويرى مراقبون أن نسبة قليلة من الأهالي الميسورين لا تتجاوز 5% يملكون أموالا نقدية بالعملات الصعبة، يمكنهم إرسال التحويلات لأبنائهم الطلاب بالخارج، بينما الأغلبية الساحقة هم من الموظفين العاديين في القطاعين الخاص والحكومي أو في السلك العسكري، ومعدل رواتبهم في أحسن الأحوال لا يتخطى 3 ملايين ليرة (أقل من 400 دولار).
ويرجح متابعون للملف أن يكون ثمّة تواطؤ خفي لجهة عدم تطبيق قانون “الدولار الطلابي” الذي يشمل تأمين أقساط التعليم وبدلات الإيجار وكلفة المعيشة للطلاب اللبنانيين في الخارج، فيما شروطه كالآتي:
– أن يكون الطالب مسجلا في مؤسسة تعليمية ومقيما في الخارج قبل نهاية عام 2019.
– إبراز مستندات تثبت قيمة الأقساط وبدل الإيجار.
– تحويل قيمة الأقساط التعليمية مباشرة للجهة المستفيدة عند استحقاقها.
– أن لا يتعدى سقفها سنويا مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادله بالعملات الأخرى.
ويكتفي مصدر مصرفي بالقول للجزيرة نت، إنه لا يمكن لأحد أن يلزم المصارف بإجراء التحويلات في ظل شح الدولار، ويعتبر المصدر أن القضية تشهد تدخلات سياسية للإمعان بتشويه سمعة المصارف اللبنانية.
وفي السياق، يشير الباحث اللبناني في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إلى أن نحو 40 ألف طالب لبناني يتعلمون في الخارج، ويسافر سنويا نحو 8 آلاف طالب، بعضهم يحصل على منح، ومعظمهم يتعلمون على نفقة عائلاتهم في جامعات أوروبا الشرقية غالبا.
وأكد شمس الدين في تصريح للجزيرة نت أن ما بين 8 و10 آلاف طالب لبناني يعيشون في الخارج يحتاجون للمساعدة الفورية، لافتا إلى أن المركزي يحتاج ما بين 80 و100 مليون دولار أميركي إذا كان سقف كل طالب 10 آلاف دولار.
ويرجح الباحث تهرب المركزي من تطبيق قانون الدولار الطلابي بعد أن وصل الاحتياطي لديه لمستويات متدنية لا تتجاوز 1.5 مليار دولار، ما يهدد مستقبل الطلاب في الخارج بكارثة فعلية.
تصعيد الأهالي
وفيما يحترق أهالي الطلاب من معاناة أبنائهم الذين تطاردهم أزمات بلادهم في الخارج، يشير سامي حمية عضو جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج إلى أنهم سيمهلون السلطة والمصارف وقتا قصيرا لتنفيذ قانون “الدولار الطلابي”، ويحذر من انتفاضة طلابية في الشارع أو الذهاب بدعوى جزائية بحق المتواطئين على مستقبل الطلاب وذويهم، وفق تعبيره.
وحمية هو أب لشابين كانا يتعلمان في روسيا، لكنهما عادا إلى لبنان بعد أن عجز عن تأمين التحويلات اللازمة لهما، يقول لـ”الجزيرة نت”: “ذنبنا أننا لم نرضخ للطبقة الفاسدة، لكن السلطة لم ترحمنا، وتريد تدمير أبنائنا مثلما دمرتنا”.
المصدر: الجزيرة