واقع مرٌّ يدفع فاتورته من خطّ الشيب رؤوسهم.. دور العجزة آخر ضحايا الأزمة الاقتصادية
في دولة يفترض بها أن تكون دولة راعية لأبنائها، أكثر من 40% من دور الرعاية الخاصة بالمسنين والمنتشرة في مختلف الأراضي اللبنانية تصارع لتأمين المستلزمات الأساسية..
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
لم تكن دور الرعاية الخاصة بالمسنين بمنأى عن الأزمة الّتي حلّت بلبنان، تلك الأزمة التي حرمت أطفالاً رضّع من غذائهم الوحيد لم تكن أكثر رأفة بالكبار والشيوخ، فأرخت بثقلها على أولئك الذين خطّ الشيب رؤوسهم في دولة يفترض بها أن تكون دولة راعية لأبنائها فباتت دولة الـ “لا رعاية”.
ويظهر ذلك جليًّا في معاناة دور الرعاية الخاصة بالمسنين والمنتشرة في مختلف الأراضي اللبنانية إذ أنّ الاحتياجات الأوّلية والأساسية لم تعد متوفرة في عدد كبير من هذه الدور، حتى باتت نسبة تزيد عن الـ 40 % منها تعاني من غياب الكثير من المستلزمات فيما تلك التي كانت محسوبة على وزارة الشؤون الاجتماعية تراجعت تغطيتها وتضاءلت بشكل كبير.
وفي محاولة لإلقاء الضوء على أوجه هذه المعاناة لدى دور المسنين والعجزة تؤكد ليليان أبو خزام مديرة مركز الرعاية الصحية الأولية التابع لمؤسسة الفرح الاجتماعية في كفرحيم في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ الاحتياجات الدور كبيرة وتواجهها تحديات أكبر تتمثل في فاتورة المولدات المرتفعة في ظل الافتقار إلى مادة المازوت ومستلزمات التدفئة، والنقص في الأسرّة وفي عدد الممرضين والممرضات واللقاحات الأساسية والموسمية وغلاء أسعارها وعدم قدرة المسن على شرائها، فضلاً عن الأدوية والمكملات الغذائية والمستلزمات الطبية كالحفاضات، وآلات المساعدة الحياتية والحركية التي أصبحت تكلفة استئجارها باهظة. هذا بالإضافة إلى عدم توفر الأدوية، بفعل الأزمة المستفحلة في لبنان على أكثر من صعيد، ما أدى إلى شحّ في الأدوية المزمنة، حيث أنّ معظم الأمراض التي يعاني منها المسنون هي أمراض مزمنة.
وشدّدت أبو خزام أنّه ونتيجة لغياب كل هذه المقوّمات التي تعتبر أساسية، باتت الدور تشهد انحداراً كبيراً، ما اضطرّ كثيراً من المآوي ودور الرعاية لرفع تكاليفها، كما أنّ تآكل رواتب العاملين فيها أدّى إلى نقص في طاقم العمل فلم تعد تتوفّر أماكن في هذه الدور لمسنين جدد خصوصاً في السنتين الأخيرتين.
عامل آخر ساهم في زيادة الضغط على هذه الدور هو مغادرة قسم كبير من العاملات الأجنبيات لبنان نتيجة الأزمة الاقتصادية، إذ تحوّل المسنّ إلى عبء على عائلته بدل أن يكون مصدراً للسعادة والأمان، وبما أنّ المسنّ بحاجة إلى رعاية كبيرة وإلى الأمان العاطفي، وإلى متطلبات الحياة الأساسية من مأكل وملبس ومشرب ومسكن ودواء، اضطرّت العائلات إلى اللجوء لدور الرعاية.
وهنا توضح أبو خزام أنّ الكثير من العائلات اليوم تلجأ إلى دور الرعاية، لأن ليس لديها من يهتم بالمسن الذي لديها، فأفراد العائلة مضطرّون للعمل لتأمين حاجاتها.
كما أشارت أبو خزام في حديثها إلى أنّنا اليوم نشهد رداءة في العادات الغذائية للمسن، فبينما يتوجّب على معظم المسنين الالتزام بنظام غذائي خاص بكل واحد منهم، إلّا أنّ بعض العائلات اضطرّت مكرهةً في ظل أزمة الدولار وانهيار الليرة إلى استبدال المكملات الغذائية والفيتامينات والأغذية الخاصة بالمسن، بما يتوافر لديها في المنزل، مشددة على أنّ هذا خطأ لأنّ الغذاء هو جزء كبير من عملية العلاج والرعاية الخاصة بالمسن ولا يجوز التلاعب به مما قد يؤثر على صحته بشك سلبي خصوصاً وأنّ الطبابة والاستشفاء صارت رفاهية لا يستطيع كثيرون استحصالها.
وأضافت أنّ المعاناة لا تتوقف هنا، فقد سجل تراجع في السنوات الأخيرة في دعم المغتربين لبعض دور الرعاية بعد أن بات هؤلاء يفضلون دعم أفراد عائلاتهم وأقاربهم. لافتة إلى أن بعض المراكز تسجل ارتفاعاً في الفاتورة الاستشفائية، حيث أن بعض المسنين يحتاجون إلى عمل جراحي يقومون بتأجيله لعدة شهور لتأمين تكلفته، بالإضافة إلى عدم إمكانية إجراء الفحوصات الروتينية والدورية التي يحتاجها المسنون بشكل دائم.
وفي الختام ناشدت أبو خزام الوزارات المعنية خصوصاً وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية بأخذ هذه الفئة المهمّشة بعين الاعتبار وما وصلت إليه في ظل الظروف القاهرة وتخصيص ميزانية خاصة لدعمهم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |