بعد السوبرماركت هل تسلك الخضار والفواكه طريق الدولرة؟ ترشيشي لـ “هنا لبنان”: إن حصل سيكون يوماً أسود في تاريخ لبنان
التسعير بالدولار يفترض أن يكون إيجابياً على المواطن، شرط أن يقترن برقابة مصلحة حماية المستهلك والحد من جشع التجار.
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
فيما لا تتعدّى رواتب الكثير من الموظفين في القطاع العام الـ 50 دولار حتى مع احتساب بدل النقل الشهري، يُعرب هارون ف. السودانيّ الذي يعمل كناطور لأحد المباني عن عدم رضاه عن راتبه الذي قبضه من لجنة المبنى بعد مطالبة دامت 3 أشهر، بقيمة 120 دولار، ويقول: “هذا الراتب لن يكفيني حتى نهاية الشهر”. إنّها لمفارقة عجيبة ولكنّها غير مستغربة في بلد كلبنان.
واليوم ومع دخول قرار تسعير البضائع في السوبرماركت بالدولار الأميركي حيز التنفيذ، يدخل اللبناني أكثر فأكثر في دوامة “الدولرة” لكثير من احتياجاته اليومية والحياتية، فحتى شركات التوصيل “الديلفيري” باتت تستوفي خدماتها من اللبنانيين بالدولار. وإذا ما استمرّت الأمور على هذا المنوال، فإنّ التسعير بالدولار سيطال أموراً لم نفكر إطلاقاً أنّنا سندفع ثمنها بالدولار. فهل ستركب أسعار الفواكه والخضار قريباً قطار الدولرة؟
في هذا السياق يعلق الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش في حديث لـ “هنا لبنان”: “اقتصادنا مدولر بنسبة تزيد عن 90 في المئة، وحياة اللبنانيين كلها مدولرة، وبالتالي كل الخدمات اليوم ستلحق هذا المسار، فحتى المهن الحرة من المحامي إلى الطبيب وصولاً إلى عمال الكهرباء والسمكرة، باتوا يسعرون – ومنذ أشهر – خدماتهم بالدولار، بحجة أنهم يدفعون أسعار كل السلع بالدولار”، لافتاً إلى أنّنا اليوم نشهد بدايات جديدة لمسار دولرة الأسعار وهي من السوبرماركت.
وفي الواقع، لا يمكن أن نتوقع أن يكون الاقتصاد اللبناني إلا مدولراً، وبشكل كلي بالنسبة للسلع والخدمات، وهذا على المدى المتوسط وليس البعيد، وفق عكوش.
أما عن تسعير الخضار والفواكه بالدولار، فبرأي عكوش الموضوع وارد وليس بعيداً إذ أنّه بعد كل ارتفاع في سعر صرف الدولار، يتم رفع أسعارها، والحجة جاهزة دائماً لدى المزارع “يتحجّج بأنّ السماد، وكل المواد الأولية التي يحتاجها في الزراعة يدفعها بالدولار، كما أنّ عمليات فلاحة الأرض والحصاد، تحتاج إلى مازوت لتشغيل الآليات والآلات”.
بدوره يرى رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم ترشيشي في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ من مصلحة المزارع أن يبيع ويشتري على الدولار، فهذا أفضل له ويريحه في الحسابات المتعلقة برأس المال وعمليات الربح والخسارة، مستدركاً “هذا إن حصل سيكون يوماً أسود في تاريخ لبنان، أسود وطنياً وليس زراعياً فقط، فبذلك نقضي على آخر احتياجات اللبناني اليومية التي كان يتم شراؤها بالليرة اللبنانية، وعلينا ألّا نتأمّل أن يأتي يوم نبيع فيه منتجاتنا الزراعية بالدولار”.
ويؤكد ترشيشي أنّ “أملنا كمزارعين ليس في دولرة منتجاتنا في الأسواق والسوبر ماركات، بل في انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، كي تقوم بخطة نهوض اقتصادي لكل القطاعات الإنتاجية بما فيها القطاع الزراعي”. ويسأل: “في حال حمى المزارع نفسه من خلال عملية الدولرة، فمن سيقبل على شراء منتجاته؟ وكيف سيكون هناك شفافية ورقابة على هذه العمليات اليومية على كامل الاراضي اللبنانية؟”
ووفق ترشيشي، فإنّ أوضاع المزارع لن تستقر ولن تعرف الاستدامة إلا من خلال عملية الإنماء المتوازن التي يجب أن تمتدّ على امتداد لبنان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً…
بات لبنان يتخبط بفوضى التسعير بالليرة أو بالدولار، وما يرافقها من زيادات في الأسعار بحجة تقلبات سعر الصرف، وباتت كرة الدولة تتدحرج تباعاً إلى مختلف القطاعات اللبنانية، ليصبح قرار التسعير بالعملة الخضراء أمراً واقعاً بقرار رسمي أو غير رسمي فلا فرق عند التجار وأمثالهم.
وإذا ما توقفنا عند آراء بعض المحللين الذين أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، فإنّ التسعير بالدولار يفترض أن يكون إيجابياً على المواطن، شرط أن يقترن برقابة مصلحة حماية المستهلك والحد من جشع التجار، واعتماد سعر صرف متوسّط تصدره جهة رسمية، لكنه في المقابل يعكس مزيداً من التضخم، وفقدان الليرة اللبنانية قيمتها، وزيادة في اضطراب الوضع الاقتصادي والمالي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |