لو جاء غودو
يقول صمويل بكيت في مسرحيته “في انتظار غودو”: “لا شيء يثير الضحك والسخرية أكثر من البؤس”، واللبنانيون لا ينقصهم شيء منه، وقمته أن يملي الحزب على خصومه ما لا يريد ألّا يلتزم به، وفي الطليعة الدستور.
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
من الطبيعي أن يستدرج انتخاب رئيس للجمهورية هذا السّجال الممتدّ على أكثر من خمسة أشهر، ويحدث انقساماً في صفوف اللبنانيين، المدمنين على الاصطفافات تجاه أيّ موضوع نقاش، خاص أو عام، من دون أن يستدعي الأمر صدامات كبرى في الشارع، على ما اعتادوا، في حالات مماثلة، قبل الحروب بهم وعلى أرضهم.
يوم كانت أركان الدولة مؤسّساتها، كانت المواجهات بيافطات تأييد لفريق أو آخر، تروي غليل الجمهور، واستعيض عنها اليوم بتغريدات “تويتر”، و”مقالات” على وسائل التواصل الاجتماعي، وجميعها لا يتيح مجالاً لاشتباكات وجاهية، إلّا إذا كان بين المتساجلين متطرفون متخلّفون عن استيعاب مغزى الديموقراطية، ولهم في السلاح غير الشرعي الحماية والرعاية.
مانع آخر يُبعد، مبدئيّاً، هوى الحرب الداخلية، هو أن أغلب اللبنانيين لم ينسَ، بعد، أهوالها، ولو تمسّكنا بالقول إنها انتهت قبل ما يزيد على 30 سنة، فإن هذه المدة لا تكفي لوأدها في الذاكرة الجمعية للشعوب، ولعل أوروبا أصدق مثال، ولم يكفِها نحو 80 سنة لتنسى رعشة الخوف عند ذكر الحرب العالمية الثانية، ويتساوى في ذلك من لا يزال حيًّا من جيلها، أو سمع رواياتها من الأهل والجدود.
مع ذلك، ينفرد طرف داخلي، دون غيره، بتخويف اللبنانيين من حربين، إقليمية وداخلية، ويحسم بوقوعهما، كأنه يمسك بفتيل التفجير، بما يشبه التهديد أكثر مما هو تحذير من خطر داهم، فهو الوحيد القادر محلياً وإقليمياً، (كما نتنياهو) على تكرار “لو كنت أعلم”، بعد مواجهة إقليمية، أو “غزوة” محلية.
أتيح للبنانيين أن يلمسوا منذ 2005 مدى استعداد حزب السلاح لاستخدام القوة النارية، أو التهديد باللجوء إليها، منذ غزوة بيروت والجبل في 7 أيار 2008، وحصار السراي، والتلويح بانقلاب ميليشياوي لفرض ميشال عون رئيساً، وأُلحق ذلك بالاعتداء على انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 لعزل وسط بيروت، ولإقفال مجلس النواب، وحماية الفساد ورموزه.
اليوم، أنهى الحزب مرحلة “تقطير” المعلومات عن موقفه من الترشيحات لرئاسة الجمهورية، وحسم دعمه للنائب سليمان فرنجية، بما يوحي بأحد أمرين، الأول أنه تراجع إلى خط الدفاع الأخير، وسمّى “مصارعه” لحلبة الرئاسة، ولا بديل منه، حسب رأيه، ما سيمدّد الفراغ في بعبدا، إلّا إذا كان المخرج أن يرتضي فرنجية، بقرار منه، الانسحاب من السباق الرئاسي، وخلاف ذلك يتناقض مع ما يحاول الأمين العام اكتسابه من سمعة عمادها أنه “صادق الوعد والالتزام”، ولو انهار البلد.
لكن، كيف يزاوج الحزب بين تأييد مرشح تحدٍّ، والدعوة اللجوج إلى الحوار، ودعوة الكتل النيابية لإعلان أسماء مرشحيها، وتبني واحد منها، على ما قال نائب أمين عام الحزب، في ندوة سياسية؟ فالحوار يعني الاستعداد للمساومة، والتنازلات، فيما دعم فرنجية يعني قطع الطريق على أي مرشح غيره، والتحضير لمواجهة مع الند، فأين “الوعد الصادق” المزعوم، دعماً للحليف الزغرتاوي؟
أصلاً، لم الدعوة إلى الحوار على نمط “لويا جيرغا” الأفغانية، فيما الدستور واضح في تحديد الخطوات المؤدية إلى انتخاب الرئيس الموعود؟ فكيف بعد 11 جلسة نيابية، أشبه بمسلسل “الهارب” التلفزيوني الذي لم تكن حلقاته لتنتهي؟
كان الحزب، قبل أيام، مصراً على البحث عن حوار يوصل إلى تسوية رئاسية، معتمداً على إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية الالتزام بعدم تعطيل النصاب. في تلك الفترة، كان بإمكان الحزب، تأمين النصاب، وإيصال مرشحه من خلال مشاركة القوات وتوفير 65 صوتاً له بتكرار تجربة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه. لكن ذلك سيكون حوار إذعان يقدم البلاد لقمة سائغة للحزب وحلفائه.
يقول صمويل بكيت في مسرحيته “في انتظار غودو”، أهم مسرحية باللغة الإنجليزية في القرن العشرين “لا شيء يثير الضحك والسخرية أكثر من البؤس”، واللبنانيون لا ينقصهم شيء منه، وقمته أن يملي الحزب على خصومه ما لا يريد ألّا يلتزم به، وفي الطليعة الدستور.
لا يبدو أن غودو سيأتي، لكن، إذا جاء غودو في نهاية المسرحية ماذا سيحدث؟ وماذا سيتغير؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |