“خير جليس”
كتب زياد شبيب في “النهار”:
الكتاب الورقي وإن كان مشابهاً للمطبوعات الأخرى ك#الجريدة والمجلة من حيث المادة التي تحمله أي الورق، وإن كان مشابهاً لها أيضاً من حيث المادة التي يحملها أي من حيث وظيفته كوسيط لحفظ ونقل المعلومة، فهو يختلف عنها اختلافاً أساسياً وهو أنه لا يحمل مادةً قابلة للاستهلاك وفق إيقاع سريع. وهذا الاختلاف شكّل سبباً رئيسياً لبقاء الكتاب الورقي في عصر الثورة الرقمية.
المفاضلة بين الكتاب الورقي والالكتروني تبين محاسن كل من النوعين:
– الكتاب الورقي شيء ملموس وهذا من أهم مزاياه، ليس فقط للجانب الرومنسي ورائحة وملمس الورق، بل لأنه يتفوق بطبيعته المادية على الكتاب الالكتروني الذي يبقى أسير عالم افتراضي محكوم باستمرار تدفق المعلومات عبر الانترنت وتأمين الوسائط الالكترونية واقتناء النسخ الأحدث لمواكبة التقنيات المستخدمة وبوجود الطاقة الكهربائية التي تبقى ذات طبيعة غير ثابتة ومضمونة.
– الكتاب الورقي الذي يتكون من مادة هشّة هي الورق يبقى أقل هشاشة من الالكتروني وهو قابل للحياة والحفظ للأجيال المقبلة لأنه ينتشر بآلاف النسخ ويُحفظ في أماكن مختلفة توازي عدد النسخ منه.
– الكتاب الورقي هو المكوّن للمكتبة الخاصة وهي أجمل قطع الأثاث وأكثرها جاذبية وتحتفظ بتأثيرها الاجتماعي الأمر الذي لا يمكن تصوره في حالة المكتبة الالكترونية.
– الكتاب الورقي لا يتم اقتناؤه وقراءته وحسب بل تجري إعارته وتبادله بين محبيه وهو هدية مميزة دائماً، بينما الكتاب الالكتروني يعجز عن أداء هذه الأدوار.
وللكتاب الالكتروني حسنات منها:
– إمكانية اقتناء عدد غير محدود منها دون الحاجة إلى مساحات كبيرة ووسائل نقل ودون الارتباط بأوقات عمل المكتبات وبأسعار أرخص بسبب توفير المواد الأولية.
– إمكانية الاستفادة من الطابع التفاعلي والانتقال إلى المصادر عبر الكتاب الالكتروني الذي يمكن في الوقت نفسه أن يحمل مواد غير مكتوبة كالفيديو والصوت.
عند دخول الكتاب الإلكتروني إلى السوق خشِيَ محبّو الكتب الورقية على مصيرها، ولكن تبين لاحقاً أن تعايشاً قد تحقق بين النوعين. ولعب الكتاب الالكتروني دوراً مكملاً للكتاب الورقي. وفي دراسة أجراها عدد من المؤسسات في فرنسا حول ميول القراء في العام 2020 جاءت النسب والأرقام لتثبت أن القراء من مختلف الأعمال يقرأون نوعي الكتب ويستفيدون من حسناتهما في الوقت نفسه وذلك تبعاً للأوضاع والظروف والعناوين والمواضيع. وفي دراسة أخرى أجراها باحثون من كندا والنروج ونشرتها صحيفة النيويورك تايمز سنة 2014 تبين أن الكتاب الورقي يتمتع بقدرة أكبر على تأمين الاستيعاب الأفضل لمضمونه ويساعد أكثر على التركيز والفهم.
ليست المرة الأولى التي يثير الكتاب الأسئلة حول مصيره. والحقيقة أن معظم التحولات الكبرى في تاريخ المعرفة ووسائل انتقالها كانت موضع نقاش وهواجس مشروعة. والفلسفة بحد ذاتها عندما انتقلت من الإطار الشفهي إلى الكتابة تعرضت لتساؤلات مصيرية من جانب من قام بهذه النقلة الهائلة في ذلك الحين، وأفلاطون الذي انتقد الكتابة بلسان معلمه سقراط اعتبر أنها تفرغ الذاكرة وهي من أهم القدرات لدى الإنسان وقد تحرمه كتابة الأفكار من الحفظ والتفكير.
أمس نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة حول “الكتاب في لبنان بين الورقي والالكتروني” شاركت فيه “دار النهار” وأثبتت النقاشات صحة ما تقدم وجاءت مطمئنة إلى مستقبل النشر رغم الظروف الحالية. تزامن ذلك مع معرض الكتاب اللبناني الذي تنظمه الحركة الثقافية في أنطلياس ويستمر إلى الأحد المقبل والذي يشهد إقبالاً لا يتناسب مع تدني القدرة الشرائية. كل ذلك يثبت أن الكتاب ما يزال خير جليس في الأنام.
مواضيع ذات صلة :
فوائد غير متوقعة للقيلولة النهارية | وفاة الصحافي راجح خوري | من التأليه إلى التحقيق |