معارك غادة عون “الوهمية”.. وهوس المصارف!
كتب نيكولا بو لـ”Ici Beyrouth”:
تعتقد النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون أنها باتت فوق سقف القانون. محتميةً بميشال عون، الذي وضعها تحت جناح حمايته قبل نهاية ولايته كرئيس للجمهورية في تشرين الأول الماضي.
وشنّت القاضية عون في السنوات الأخيرة، حملة شعواء ضد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وعدد من المؤسسات المالية باسم “تخليق” الحياة العامة اللبنانية، وكانت الحملة مدفوعة بتأثير أصدقائها السياسيين!
وبالروحية نفسها، تجري هذه القاضية، التي لا يصحّ وصفها بالمستقلة، تحقيقًا نيابة عن موكلين واضحين: رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي تربطها به صلة قرابة، وصهره جبران باسيل، الذي يطارد بشكل ميؤوس منه، حلم الرئاسة، وأخيراً، حزب الله، الموالي لإيران والذي أبرم الرجلان معه تحالفًا مشبوه. وفي مرمى القاضية، كل من يعارض هذه المعادلة السياسية.
في ظل هذه الظروف، تعاني المؤسسة القضائية اللبنانية المستغلة سياسياً من مناخ غير سليم. ويترجم ذلك بتزايد الأصوات المطالبة، من ضمن الهرم القضائي نفسه، بإعادة تأطير وضع غادة عون التي تستكمل تحقيقات مدمّرة لصورة لبنان على الرغم من انتهاء ولاية حاميها، ميشال عون. وهذا، بدعم من بعض أصدقائها المخلصين في باريس والذين تحوم الكثير من علامات الإستفهام حول دوافعهم.
لا شك بأن غادة عون التي استفادت من حماية رئيس الجمهورية السابق منذ فترة طويلة تعتقد أنها باتت فوق سقف القانون. فها هي تروج على القنوات التليفزيونية وعبر الهواء مباشرة، لناشطين سياسيين أتوا للتعبير عن دعمهم لها! أو حتى تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لتشكك بحاكم مصرف لبنان أو غيره من قادة الأعمال، دون مراعاة موجب التحفظ الأساسي.
إزاء هذا الخرق الفاضح، أوعز النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الثلاثاء 28 شباط، بكف يد عون عن هذه التحقيقات بشكل مؤقت حتى اتخاذ قرار بشأن الطعون المقدمة ضدها. ونشر القاضي سلسلة من التوجيهات التي تحدد الشروط التي يمكن بموجبها تنفيذ طلبات الشراء والعمليات الأخرى في المصارف اللبنانية. لقي هذا التحرك ترحيباً واسعاً من طرف رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، الذي وضع هذا الإجراء في خانة الخطوة الأساسية لوضع حد للعيوب القضائية ولأي مخالفة للنصوص المعمول بها.
الذراع العسكري القضائي
مع ذلك، ما زالت غادة عون ترفض إيلاء الانتباه لأي إخطار بالطعون المقدمة ضدها. والأسوأ من ذلك، أنها تواظب على الإنتقائية في اختيار ملفاتها. فتشيح مثلاً بنظرها عن حزب الله، الذي يعرف الجمهور العام بمغامراته المالية وبإنشائه شبكة مصرفية متفلتة من سيطرة الدولة. كما ترفض ملاحقة التنظيم الذي يهرّب العملات الأجنبية لأصدقائه السوريين. ومقابل هذا التفلت، تضع الشركة نصب أعينها شركة نقل أموال قانونية بالكامل وخاضعة لسيطرة السلطات المصرفية، هدفًا بتهمة تحويل الدولارات إلى الخارج. والسبب؟ ينتمي مالك هذه الشركة إلى المعسكر السيادي المعادي لحزب الله وللرئيس الأسبق ميشال عون.
قاضية تحت الحماية
“في السياق الحالي، ليست غادة عون أكثر من أداة حزبية بيد رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون ومعسكره السياسي، وتقضي وظيفتها بالانغماس في التسويات ذات الطابع السياسي البحت، حتى تحت وطأة تقويض سلطة القضاء وهيبته واستقلاله وحسن سيره”، حسب ما قال صحفي ومفكر لبناني لـ “موند أفريك” ( Mondafrique ).
على هذا النحو، قام ميشال عون، رئيس الجمهورية حينها، بتجميد جميع التعديلات القضائية التي وضعها مجلس القضاء الأعلى. أتاحت هذه المناورة الواسعة للتعيينات التنويع في مهام غادة عون، التي استلمت منصباً حساساً سمح لها بمضايقة عدد معين من الممولين أو الشخصيات الأخرى المعادية للتيار الوطني الحر وللرئيس السابق عون ولصهره، باسم الكفاح المثالي ضد الأموال القذرة. وهكذا غالبًا ما عرض حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بصورة المسبب الوحيد للأزمة اللبنانية دون التركيز على أن الحملة ضده تهدف قبل كل شيء لطرده والعثور على خليفة له.
الإستشراس ضد الحاكم
ليس الخلاف بين حاكم مصرف لبنان وحزب الله بجديد، فالحزب الموالي لإيران ينتقد رياض سلامة لأنه نقل العقوبات الأميركية ضد مؤسسات تحت سلطته. ويندرج تحقيق غادة عون ضمن هذا المناخ غير الصحي، ممثلا مصدر نشاز قضائي حقيقي.
أضف إلى ذلك، وجود صراع خطير للغاية بين جهازين أمنيين تابعين للدولة. وتولّت وحدة من جهاز الأمن، المعروفة بقربها من معسكر رئيس الجمهورية السابق، مسؤولية تنفيذ مذكرة توقيف الحاكم قبل أن تعترضها وحدة أخرى من الشرطة. هذا المأزق “على الطريقة اللبنانية” دفع ببعض الأوساط السياسية لوصم سلوك غادة عون، المدعية العامة التي تتمرد على رؤسائها والتي تتولى قضية فصيل سياسي بشكل علانية، والمناداة بعدم قدرتها على تولي مهامها.
علاوة على ذلك، ألا تستحق سمعة مصرف لبنان، ضحية انتقام غادة عون، الحفاظ عليها أقله لثلاثة أسباب؟ ماذا عن خبرته المثبتة في الأزمات التي اختبرتها البلاد؛ وماذا عن المصداقية بين الشركاء الأميركيين للبنان والتي تبقى حاسمة في بلد اقتصاده “مدولر”. وأخيراً، ماذا عن قدرته على حشد الأوساط المالية اللبنانية التي تشكل، بخلاف بعض التفاحات المهترئة، آخر نافذة قبل الإفلاس التام؟
دفع شعور وطني معين برئيس الوزراء المستقيل نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري لطرح فكرة تجديد محتمل لرياض سلامة، على الرغم من أنهما حليفان لحزب الله. هكذا حذر ميقاتي من عدم تغيير الجنود في خضم المعارك، وسطّر بري في بداية العام 2022 الحاجة “إلى كل شخص”، عندما بدا أن الدعم الداخلي والخارجي لرياض سلامة ينهار.
“فصل السلطات”؟
فور انتشار مذكرة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التي تهدف للحد من انتهاكات غادة عون ضد المصارف، ردت السيناتور الفرنسي ناتالي غوليه بتغريدة على حسابها على منصة “تويتر” تستكر فيها انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات، سائلة صديقتها عون عما إذا كان بإمكانها “تقديم المساعدة؟” باستخدام “هاشتاغ”، “# لبنان # الفساد”.
هذه ليست بسابقة، فقد غردت السيناتور الفرنسي جويل غيريو بدورها، شاكرة القاضية غادة عون على عملها الشجاع ومؤكدة على دعمها لها، مشيرة الى أنّ لبنان سيكون بخطر في حال عدم إحالة المسؤولين عن الفساد في هذا البلد للقضاء. كما شددت على الإشادة بالسلوك النموذجي المفترض لغادة عون.
في هذه المرحلة، من المهم التذكير بتاريخ العلاقة بين القاضية غادة عون، وبعض الشخصيات مثل السيناتور الفرنسي ناتالي غوليه.
في الرابع من نيسان 2022، جمعت ندوة عُقدت في ملحق لمجلس الشيوخ الفرنسي، باقة غريبة من الشخصيات في جلسة للتفكير في “تعويض ضحايا الفساد والنزاعات المسلحة”. ومن جملة القضايا المطروحة خلال هذا التجمع “النبيل”، الدفاع عن الضحايا الأوكرانيين في مرمى نيران الجيش الروسي وصغار المودعين في لبنان.
إلا أنّ العناوين الرئيسية لهذا الاجتماع تخفي الكثير من الدوافع الخفية خصوصاً وأنها تجمع بين غادة عون، الأداة القضائية للرئاسة اللبنانية السابقة؛ عمر حرفوش رجل أعمال لبناني ثري غامض ومرشح للانتخابات النيابية، وناتالي غوليه العضو في مجلس الشيوخ الفرنسي ممثلة لقسم أورني وإحدى أعضاء الاتحاد الوسطي الذي ظهر اسمه في عدة ملفات تمويل سياسي حساسة (قطر وأذربيجان)؛ وأخيراً، المحامي والإعلامي الفرنسي ويليام بوردون، المعروف بملفه الشائك حول “المكاسب غير المشروعة” في الغابون والكونغو وغينيا الاستوائية، وهو في الأصل، وراء الشكاوى ضد رياض سلامة، من خلال جمعيته “شيربا”.
الصيد في الماء العكر
قائد هذا التجمع ليس سوى عمر حرفوش، مرشح تلفزيون الواقع السابق ورجل الأعمال والمرشح للانتخابات النيابية الذي تعرض للضرب المبرح في مدينة طرابلس في أيار 2022. وبفضل حرفوش الحالم برئاسة الوزراء في لبنان، نشأ التواطؤ بين غادة عون وناتالي غوليه. هل ستكون غادة عون الوحيدة التي تتجاهل تاريخ عمر حرفوش المقلق؟
فقد أظهرت دراسة أجراها فريق برنامج Capital of M6 ، في تموز 2006، أنه على الرغم من كل الجهود، لم ينجح فريق القناة الفرنسية بتحديد المصدر الحقيقي لثروة عمر حرفوش، ذلك “المتأنق اللبناني” و “المليونير المستهتر” الذي تفاخر بعرض تغطية تكاليف رحلة العارضات الساحرات الى اوكرانيا.
شخصية أخرى تشهد على أخلاق غادة عون، الفرنسي ويليام بوردون أو “الرجل المكافح للفساد”. هل كان يجب أن يشارك في مثل هذا التجمع؟ على الاغلب لا! وهل كان من المفترض أن يلتقي هذا المحامي لأسباب إنسانية مع القاضية التي تحقق في قضية حاكم مصرف لبنان في بيروت وأن يتولى الشكاوى المقدمة في باريس؟ بالطبع لا! وهل بإمكان هذا الخبير في العلاقات الدولية الذي عمل بجد ضد تجاوزات الحكام الأفارقة، تجاهل الشبكات العاملة وراء غادة عون؟ لا نعتقد ذلك.
لا شك بأن شرهاً معيّناً يدفع هذا المحامي المعروف للتفاوض على مشاريع مع وسطاء صفقات عديمي الضمير. هكذا التقى وليام بوردون، خلال صيف 2020، نويل دوبوس، رجل يرتبط اسمه في الظل بشبكات نيكولا ساركوزي. وظهر إسم دوبوس مؤخرًا في محاولة باهظة للالتفاف على الوسيط زياد تقي الدين، أحد الشهود الرئيسيين في ملف تمويل ليبي محتمل للرئيس الفرنسي الأسبق. يطلعنا موقع “أفريكا إنتليجنس” الفرنسي، كيف عرض نويل دوبوس على بوردون عقدًا مربحًا، وافق على مبدأه، على الأقل قبل أن يكتشف أنهم كانوا يحاولون الإيقاع به.
ربما يصحّ أن بعض المتمولين اللبنانيين مذنبون بتهمة اختلاس مالي ما، ولكن لا يزال يتعين إثبات ذلك في المحكمة قبل شنّ كل تلك الحملات الصحفية الخبيثة. فلا يمكن للصورة السلبية التي نقلها إلى باريس عدد من الحزبيين ومن الصحافة التابعة، عن لبنان، إلا أن تضاعف الأزمة المالية والاجتماعية الرهيبة التي ترزح بلاد الأرز تحت وطأتها.
مواضيع ذات صلة :
تعميم قضائيّ | إحالة 11 محضراً إلى القضاء! | مدير عام الاقتصاد والتجارة يحيل 92 محضراً إلى القضاء |