“فيتو” برتقاليّ على طريق زغرتا- بعبدا… والرّئيس رهن التّسوية
المجلس النّيابي عاجزٌ عن انتخاب رأسٍ للدّولة، من دون تسويةٍ ما؛ نظرًا لتركيبته الحاليّة الّتي لم تخوّل أيّ فريقٍ الحصول على صولجان النّصف زائدًا واحدًا.
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
مُمِلًّا كان مسلسل الشّغور الرّئاسيّ في الأشهر الأربعة الأولى منه: مُخرِجٌ معروف الهوى والهويّة والألاعيب الملتوية، أحداثٌ أغلبها متوقَّعة يخرقها موقفٌ تصعيديٌّ من هنا أو حركةٌ اعتراضيّةٌ من هناك، سيناريو غير مكتمل بحبكةٍ ركيكةٍ ومفتوح على نهاياتٍ عدّة، وأدوارٌ متنوّعةٌ بين كوميديّة وتراجيديّة وهزليّة. غير أنّ التّشويق بدأ في الحلقة 125، الّتي رسمت انعطافةً جديدةً للأحداث، رغم أنّها كانت مرتقبة.
فقد شهد دور الثّنائي الشّيعيّ، أي حركة “أمل” و”حزب الله”، تطوّرًا دراميًّا أَخرجه من عباءة التّعطيل، ليصبح لاعبًا علنيًّا رسميًّا في الاستحقاق الرّئاسيّ. ففي الثّاني من الشّهر الحالي، أعلن رئيس مجلس النّواب نبيه برّي أنّ “مرشّحنا معروفٌ وهو رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية”. وبعدها بأربعة أيّامٍ، التحق به الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، طوعًا أو مُحرَجًا، وأشار إلى أنّ “المرشّح الطّبيعي الّذي نَدعمه في الانتخابات الرّئاسيّة، ونَعتبر أنّ المواصفات الّتي نأخذها بالاعتبار تنطبق عليه، هو سليمان فرنجيّة”. بذلك، يكون الثّنائي قد ردّ عنه تهمة الضّياع والعرقلة وعدم وجود مرشّحٍ في جعبته.
ورغم تأكيد السيّد نصرالله حرصه على التّفاهم القائم مع “التّيّار الوطنيّ الحرّ”، إلّا أنّ دعمه فرنجيّة هو ضربةٌ موجعةٌ لرئيس “التّيّار” النّائب جبران باسيل، الّذي يعتبر نفسه مرشّحًا طبيعيًّا للرّئاسة، لكنّه خسر دعم حليفه، وبات وصوله إلى كرسيّ بعبدا في هذا الظّرف أشبه بحلمٍ؛ كما هو بعيد المنال حتّى الآن أيضًا بالنّسبة لفرنجيّة استنادًا للأرقام والحسابات.
وتعليقًا على موقف نصرالله، يلفت عضو تكتّل “لبنان القويّ” النّائب سيزار أبي خليل، لـ “هنا لبنان”، إلى “أنّنا لسنا معنيّين بمواقف الآخرين. نحن معنيّون فقط بمواقفنا، الّتي تقول إنّنا نريد رئيسًا بحجم المرحلة”، موضحًا “أنّنا لا نعتبر أنّ فرنجيّة هو الرّئيس الإنقاذيّ أو الإصلاحيّ الّذي يحتاجه لبنان في هذا الظّرف، والأفرقاء الآخرون بإمكانهم أن يؤيّدوه أو لا”.
وعمّا إذا كان دعم “حزب الله” بمثابة الرّصاصة القاضية في صدر تفاهم “مار مخايل”، يؤكّد أنّ “موضوع الشّراكة الوطنيّة في البلد ليس مؤمّنًا في هذا الدّعم، لكن في النّهاية كلّ فريقٍ يعرف مصلحته ويتّخذ على أساسها القرارات الّتي تناسبه. وأكرّر أنّنا معنيّون بموقفنا الّذي أعلنّاه في بيان الهيئة السّياسيّة للتيّار أوّل أمس الأربعاء”.
وإذ يجزم أبي خليل “أنّنا لن نصوّت لفرنجيّة”، لا يستبعد في المقابل أن يكون هناك لقاءٌ أو اتّفاقٌ بين “التّيّار” وحزب “القوّات اللّبنانيّة” على المستوى الرّئاسيّ. ويذكّر بـ “أنّنا منذ تموّز 2022، قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون، دَعونا إلى الاتّفاق على رئيسٍ جديدٍ، ولكن هناك جهات لبنانيّة رفضت ذلك. واليوم، إذا كان هناك من يحبّ أن يتّفق معنا على رئيسٍ إنقاذيٍّ يتناسب مع المرحلة المقبلة، فنحن جاهزون لذلك”.
بين من يدعم فرنجيّة أو يضع “فيتو” عليه، ومن يؤيّد النّائب ميشال معوّض من دون أن يقفل الباب على مرشّحٍ آخر يمتلك المواصفات نفسها وبإمكانه الحصول على عددٍ أكبرٍ من الأصوات، ومن يرشّح وزير المال الأسبق جهاد أزعور والنّائب الأسبق صلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزيف عون مع إعلانه الانفتاح على آخرين كحلٍ وسطيٍّ، ومن يتمسّك بـ “لبنان الجديد” رئيسًا، ومن يعتمد الورقة البيضاء خيارًا… الأكيد أنّ المجلس النّيابي عاجزٌ عن انتخاب رأسٍ للدّولة، من دون تسويةٍ ما؛ نظرًا لتركيبته الحاليّة الّتي لم تخوّل أيّ فريقٍ الحصول على صولجان النّصف زائدًا واحدًا.
في هذا الإطار، يشرح أبي خليل وزير الطّاقة السّابق أنّه “بعد الانتخابات النّيابيّة الأخيرة، ارتفع عدد الكتل النّيابيّة لكنّ حجمها تقلّص، وباتت هناك حاجة كي تتّفق كتلٌ أكثر مع بعضها البعض، لتأمين حضور 86 نائبًا في جلسة الانتخاب، و65 صوتًا للمرشّح كيف يضمن الفوز. وقد قلنا منذ البداية إنّه ليس بإمكان فريقٍ لوحده أن يحسم مسألة رئاسة الجمهوريّة، ولذلك يجب أن نتّفق، و”ما خُلصوا القبضايات بالبلد”.
وعن سبب عدم ترشيح تكتّل “لبنان القوي” أيّ شخصيّةٍ حتّى السّاعة لخوض غمار الانتخابات الرّئاسيّة، يسأل: “ما نفع أن نرشّح شخصًا للرّئاسة ويحصل على عددٍ قليلٍ من الأصوات؟ إذا لم نتكلّم مع الآخرين ولم نتّفق معهم على هذا الاسم المطروح، فلن يصل إلى القصر الجمهوريّ”.
ويركّز أبي خليل على “أنّنا إذا طرحنا اسمًا الآن، ستبدأ الأقاويل والتّساؤلات غير المُجدية. لذا، بدلًا من تعريض أيّ شخصيّةٍ لمواقف مشابهة، يمكننا أن نعمل بين بعضنا البعض كأفرقاء سياسيّين، ونتفّق على اسمٍ قادرٍ على تأمين حضور ثلثَي عدد النّواب، و65 صوتًا مؤيّدًا على الأقلّ”.
كما يشدّد على “أنّنا نريد رئيسًا إصلاحيًّا، قادرًا بظلّ الأزمة الحاليّة على إدارة البلد، ويمكنه طمأنة اللّبنانيّين والتّفاهم مع الأطراف المختلفة والتّكلّم مع أصدقاء لبنان”، متسائلًا “كيف سنخرج من الأزمة إذا أَعدنا إنتاج المنظومة بالأسماء نفسها؟”
الطّريق الرّئاسيّ أمام معوّض وفرنجيّة محفوفٌ بالصّعوبات والعقبات، وأبرزها عدم قدرة أيٍّ منهما على تأمين تأييد 65 نائبًا حتّى الآن. والأشواك تسيّج كذلك مسار العماد عون، الّذي يحتاج انتقاله من اليرزة إلى بعبدا، إلى تعديلٍ دستوريٍّ غير متاحٍ حاليًّا. لكن هل يُعقل أن يكون نصرالله قد أَقدم على خطوةٍ غير محسوبة النّتائج، أم أنّها تمهيدٌ لتسويةٍ ما ستُسرّع في ملء الشّغور الرّئاسيّ؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |