البخاري ومُجتبى و”حرب” التغريدات المُشفّرة
المساحة الديبلوماسية التي يشغلها السفير البخاري، حدت بالسفير الإيراني إلى محاولة إحداث “توازن ديبلوماسي” بالأسلوب ذاته والقاعدة ذاتها أي “التغريد المشفّر”، وعادة لا تكون الشيفرة مفهومة، لا بل غامضة، وتحتاج إلى عِلمٍ لفكّ غموضها..
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
هذا الأسبوع، غرّد السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، فكتب: “هناك لقاء جمعني مطلع الأسبوع بإعلاميين من مشارب متنوعة وتلقّيت خلاله عشرات الأسئلة، أحدها حول الرئاسة. لقد جزمت بأنّ إيران لا تتدخّل بهذا الأمر، حتى وإن أراد الآخرون التدخّل. وقلت أنّ التدخّل الخارجي إن حصل، ينبغي أن يكون على طريقة الشخص الذي قطع نزاع ٣ إخوة على تقاسم ١٧ جملاً هي تركة والدهم الذي أوصى بنصفها للأكبر وثلثها للأوسط وتسعها للأصغر. ولأن عددها لا يقبل القسمة على 17، حصل نزاع بينهم. هذا الشخص تدخل في الموضوع، ووهبهم من لدُنه جملاً ليصبح مجموعها 18، فأخذ كلٌّ نصيبه منها، الأول 9 والثاني 6 والأخير 2، واستعاد الشخص جمله!”
قبل تغريدة السفير الإيراني، غرّد السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، فكتب:
“ظاهرةُ التقاءِ الساكِنَينِ في الِاستِحقَاقَاتِ البنيوية تقتضي التَّأَمُّلَ لتكرارِهَا نُطقًا وإعرابًا، وخلاصةُ القولِ هُنَا: “إذا التَقَى سَاكِنَانِ فيتمُّ التخلّصُ من أَوَّلِهِمَا؛ إمَّا حذفًا إذا كان مُعتلًّا، أو بتحريكِ أحدِهمَا إن كان السَّاكنُ صحيحًا..!”.
إنّ تسلسل التطوّرات المتعلّقة بالاستحقاق الرئاسي، والذي فرض هاتين التغريدتين، تدرّج وفق الترتيب التالي:
– تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فأعلن دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
– هذا الإعلان هو الذي استدعى التغريدة “المشفّرة” للسّفير البخاري الذي استعان بإحدى قواعد اللغة العربية لإيصال رسالة مفادها أن القاعدة تفترض تحريك أو إزاحة ” الساكن الأول” اي المرشح سليمان فرنجية، لمصلحة “الساكن الثاني” الذي لم يُسمِّه باعتبار أنّ المملكة لا تتدخّل في التسميات بل تشدّد على المُواصَفاتِ الّتي باتت معروفةً والّتي بات معروفًا على مَن تنطبق.
– المساحة الديبلوماسية التي يشغلها السفير البخاري، الناشط جدًا والذي يتميّز بمروحة واسعة من الاتصالات واللقاءات، السياسية والثقافية، حدت بالسفير الإيراني إلى محاولة إحداث “توازن ديبلوماسي” بالأسلوب ذاته والقاعدة ذاتها أي “التغريد المشفّر”، وعادة لا تكون الشيفرة مفهومة، لا بل غامضة، وتحتاج إلى عِلمٍ لفكّ غموضها، وهي تُعتَمَد لأنّ أحجيتها تحتمل أكثر من توضيح وشرح، فقصّة تقاسم الجِمال على الأبناء الثلاثة، وكيف أضيف إليها جملٌ لتسوية الحساب، ثم استردّ صاحب الجمل المُضاف جملَه، تستدعي جملةً من التساؤلات عمّا قصده السفير مُجتبى، ومن هذه التساؤلات:
– مَن هم “الأخوة الثلاثة” الذين قصدهم السفير؟
– لماذا استخدم مثلًا فيه ثلاثة أخوة؟ هل للأمر ارتباط بـ “المثالثة”؟
– مَن هو الطرف الذي تدخّل لفضّ النزاع؟
– كيف أضاف “جَمَلًا ” من عنده لتسوية النزاع؟
تغريدة السفير الإيراني فتحت الباب على مصراعيه لتوجيه رسالةٍ مفادها أنّ طهران معنيّة بإيجاد التسوية، وهذا أمرٌ سبق أن حصل أثناء مؤتمر الدوحة حين أدّى التدخّل الإيرانيّ مع وفد حزب الله إلى إبلاغ العماد ميشال عون أنّ القرار اتُّخذ بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية، وقد تمّ الإبلاغ فجرًا بواسطة النائب محمد فنيش إلى الوزير جبران باسيل الذي توجه إلى جناح العماد عون وأبلغه بالقرار الإيراني، وساد شعار “صانع رئيس الجمهورية” كتعويض عن “رئيس الجمهورية”.
إذا كانت البلاد في مرحلة التغريد المشفّر، فهذا يعني أنّ الطريق إلى الرئاسة ما زالت طويلة ومحفوفة بالألغام التي تحتاج إلى تفكيك لئلّا تنفجر في مَن يسلك هذه الطريق.
ومن علامات التعقيدات، تدهور العلاقات بين باريس وطهران، في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا متابعة اللقاءات الخماسية لتفكيك عُقد الرئاسة اللبنانية، فتحت ملفًّا عمره أربعون عامًا، هو ملفّ تفجير القوات الفرنسية عام ١٩٨٣، فَتحُ هذا الملف رسالةٌ إلى طهران وإلى حزب الله، فكيف توفِّق فرنسا بين مناقشة ملفٍ مستقبلي، وفي الوقت عينه “نبش الماضي” غير القريب؟ وهل هذه السياسة تدفع طهران إلى الرضوخ؟ التجارب تعلِّم أنّ هذا الأسلوب لا يخيف طهران التي تلعب دائمًا على حافة الهاوية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |