الأوضاع المعيشية الصعبة تقلب الهرم السكّاني اللبناني: تراجع نسبة الولادات إلى 32.4%


أخبار بارزة, خاص 15 آذار, 2023

الإنجاب في بلدٍ مواطنوه محرومون من أدنى حقوقهم، ومتطلبات العيش الكريم بات يُضرب لها ألف حساب، يُعَدُّ ضرباً من الجنون، عدا عن أنّه يُعتبر ظلماً لهذا الطفل الآتي إلى المجهول..


كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:

بات التفكير في الزواج وتأسيس عائلة في لبنان مسألة لا يستهان بها، تتطلّب اتّخاذ قرار صعب جداً، والتفكير مليّاً بأبعاد ذلك المستقبل المجهول، في ظلّ أوضاع اقتصادية ومعيشية ومالية مخيفة، إلّا إذا كان هذا المشروع العائلي خارج لبنان، لأنّ متطلّباته اليوم باتت شبه مستحيلة.
فالإنجاب في بلدٍ مواطنوه محرومون من أدنى حقوقهم، ومتطلبات العيش الكريم بات يُضرب لها ألف حساب، يُعَدُّ ضرباً من الجنون. عدا عن أنّه يُعتبر ظلماً لهذا الطفل الآتي إلى المجهول، فحليب الأطفال مفقود في الأسواق، وإن وُجد فسعره خيالي كما كلّ احتياجات الطفل الّتي فاق ثمنها حدود المعقول، وباتت تحتاج راتباً كبيراً وبالعملة الخضراء لا يستطيع أيّ ربّ عائلة تأمينه في ظلّ الظروف المأساوية التي يعيشها اللبنانيون.
هذه الأوضاع دفعت بمعظم المتزوجين وخصوصاً العرسان الجدد، إلى إنجاب طفل واحد لا أكثر، إذ يجد الأب نفسه عاجزاً عن تأمين كل ما يلزم، حتى أنّ بعض الأزواج يمتنعون عن الإنجاب، الأمر الذي يظلم الأم ويحرمها من الأمومة التي تحلم بها كل أنثى، في انتظار تحسّن الأحوال الذي يبدو بعيد الأمد، فالأمور تتّجه نحو الأسوأ إلّا في حال حصول معجزة تؤدّي إلى حلحلة خصوصاً في الملف الرئاسي، علّه يفتح الآفاق نحو الحلول الأخرى، للتّخفيف من الإحباط الذي تعايش معه اللبنانيون منذ سنوات.
وفي موازاة ما يجري يتفق الخبراء الاقتصاديون على موقف واحد في ما يخص هذه المشكلة، ويشيرون إلى أنّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أدّت إلى تراجع الولادات، وتحديداً منذ بدء الأزمة وتدهور العملة الوطنية أمام الدولار الذي تفاقم حتى وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى مئة ألف ليرة. كما ساهم القلق والخوف الذي يرافق الحياة اليومية للبنانيين، في العزوف عن اتّخاذ قرار الزواج بسبب غياب فرص العمل، والبحث عن الهجرة لتحقيق المستقبل، الذي بات بعيداً ومحتاجاً للكثير لتحقيقه.

“لدولية للمعلومات”: تراجع في نسبة الزواج*
إلى ذلك يشير الباحث في الدولية للمعلومات خلال حديث لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ نسبة تراجع الولادات بدأت في العام 2018 وصولاً إلى اليوم، وبلغت 32.4 في المئة، وقدّم شمس الدين جدولاً عن عدد الولادات، بدءاً من العام 2018 حين وصل المعدل إلى 92 ألفاً، ثمّ بدأ بالتراجع إلى 85 ألفاً في العام 2019 ليتقلّص أكثر في العام 2020 حيث وصل إلى 74 ألفاً، بعدها إلى 68 ألفاً وصولاً إلى العام 2022 فكان العدد 62 ألفاً، ما يعكس تراجعاً مستمرًّا في عدد الولادات، مع تضاؤل العدد منذ مطلع العام الجاري، وهذا يعني نسبة أقلّ ستظهر نهاية العام، والأسباب معروفة وتتطلّب حلولاً جديّة وسريعة.
وفي السياق نفسه كشف مدير مركز “الدولية للمعلومات” جواد عدرا، أنّ معدلات الزواج في لبنان بين 2018 و2022 تراجعت بدورها بنسبة 18 في المئة.

تكاليف الولادة وحاجات الطفل والمبالغ الخيالية!
إلى ذلك يشير الطبيب أنطوان عقل في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ كلفة الاستشفاء والتوليد ارتفعت على غرار كل القطاعات، بالتزامن مع الارتفاع الجنوني للدولار، ما أدّى إلى عدم التفكير بالإنجاب من قبل المتزوجين، نظراً لما تحتاجه العناية الطبّية بالمرأة الحامل وبمستلزمات الأطفال، إذ يسعى الأزواج للتقشّف وتأجيل فكرة الإنجاب، آملين بتحسّن الوضع الاقتصادي بشكل عام.
ولفت إلى أنّ كلفة الولادة تختلف من مستشفى إلى آخر، وبحسب الدرجة الاستشفائية وفروقات التأمين، وهي ما بين ثماني مئة وألف دولار، مع ما يسبق ذلك من مراجعات الأم الحامل خلال زياراتها للطبيب كل شهر، ومتابعة الحمل والفحوص الطبّية وما تتطلّبه من صور بحسب حالة الجنين، الأمر الذي ساهم في التفكير جليّاً قبل الإقدام على هذه الخطوة، ناهيك عن تكاليف ما بعد الولادة والتي يحتاجها الطفل الرضيع يومياً، من حليب وحفاضات وأدوية ولقاحات وإلى ما هنالك.

جولة على المحال والعملة الخضراء في الواجهة
وفي جولة على المحال التجارية والسوبرماركت، التي تستقبلك بمنصّة تسعيرة الدولار على بابها، فتعيدك من حيث أتيت بلحظات، نظراً للأسعار الجنونية الموضوعة على الرفوف، فسعر كيس الحليب لا يقل عن 750 ألف ليرة وهو الكيس الذي لا يكفي سوى لأيام، وصولاً إلى أكياس فاق سعرها المليون ليرة، أما سعر الحفاضات فأقلّه 2.44 دولار ويرتفع حسب النوعيات وصولاً إلى 25 دولاراً، عدا عن مستلزمات الطفل من الشامبو والصابون المخصّص له، والثياب والمناشف ومواد الترطيب والبودرة وإلى ما هنالك من حاجات لا تنتهي، والنتيجة تراها في الجيوب الفارغة البعيدة كل البعد عن التسعيرة المرفوعة، لذا ترقبوا نسبة ولادات متدنية جداً في نهاية العام الجاري!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us