لبنان الضّرير يتلمّس طريق المصالحة السعودية- الإيرانية
السعودية والدول المانحة لن تقدم أي دعم لرئيس للبنان إيراني الهوى والولاء ولميليشيا تطمح أن تتحول إلى حشد شعبي كشقيقها العراقي ولمافيا فساد مالي تدعي على قباطنتها محلياً كي لا تحاكمهم دول خارجية بنفس التهمة..
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
أن يذهب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الفاتيكان، ويطلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري تأشيرة “معتمر” إلى المملكة العربية السعودية، وأن يطير وليد جنبلاط إلى الكويت فهذا قد يعني أن أقطاب السلطة اللبنانيين من غير المسيحيين يبحثون مع المرجعيات العربية والإسلامية والمسيحية، بجناحيها الروحي والزمني، في خارطة طريق لتسويق “صيغة تسوية” لبنانية تنهي الشغور الرئاسي بما يتلاءم مع أبعاد المصالحة السعودية-الإيرانية التي دوّن الوسيط الصيني عقد شراكتها ووقع على تعهد بضمانات تنفيذها تتضمّن معاقبة من يخالف بنودها بحرمانه من العائدات النفعية التي هي روح هذه المصالحة.
وأن يأتي أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى بيروت ويلتقي كلاً من بري وميقاتي داعياً إلى إنهاء الشغور الرئاسي ويعلن أن القمة العربية ستعقد في السعودية في شهر أيار المقبل “ومن المرجح أن يكون الموضوع الرئيسي للقمة اقتصادياً ويتناول كيفية مساعدة الأقاليم العربية المحتاجة” معطوفاً على تصريح رئيس مجلس النواب المصري الدكتور حنفي جبالي وتأكيده أثناء زيارة دمشق الشهر الماضي لإبداء التعاطف مع ضحايا الزلزال أن “سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية” فهذا أكثر من مؤشر صلب إلى أنّ القاهرة تريد من لبنان أن ينتخب مرشح حزب الله ونظام البعث الأسدي لمنصب رئيس جمهورية لبنان.
فهل يليق بمصر وتاريخها القومي أن تعتبر أنّ مجرد عداء نظام الأسد مع الأخوان المسلمين يؤهله لإدخال مرشحه إلى القصر الجمهوري اللبناني ليتشارك مع حزب إيران المسلح في إدارة بقايا كيان فسخته إرتجاجات هزات التسويات الترقيعية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب منذ الحرب الأهلية الأولى في العام 1958 التي كان لمصر دور في تسويتها بلقاء خيمة الحدود بن الراحلين الرئيسين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب… وصولاً إلى البؤس الذي يقع فيه البلد اليوم والذي لن تخرجه منه تسوية من صنف سابقاتها إلا لتورطه لاحقاً في مأزق جديد؟
دولة التسويات لا تعيش استقراراً ثابتاً. هذه حقيقة تثبتها تجربة مصر الرافضة لتسوية على قاعدة التعايش مع الأخوان كما تؤكدها تجربة الحرب الأهلية الأميركة التي استمرت 4 سنوات وإنتهت في 9 نيسان العام 1865 عندما وقع قائد الجيش الجنوبي الجنرال روبرت لي وثيقة الإستسلام لتحلف الشمال وامتطى حصانه وغادر وقاد الرئيس أبراهام لينكولن وحزبه الجمهوري الولايات المتحدة من دون إبادة أو إذلال الشطر الجنوبي المهزوم وأنتج الأمة الأميركية المؤلفة من أكثر من 180 مكوناً، فيما تجربة التسويات في لبنان لم توحّد لبنان المؤلف من 18 مكوناً وقتلت الأمة اللبنانية التي يقسم كل رؤساء الجمهورية يمين الحفاظ على دستورها والدفاع عنه.
البحث المخزي عن تسوية على قاعدة التوافق على رئيس مسيحي ماروني من معسكر إيران-الأسد، ورئيس للحكومة مسلم سني سيادي الهوى- قانوني التوجه يعتبر مجرد مسخرة حتى في مسلسل التسويات الفاشلة ولا يقبل به إلا سني غبي لا يدرك التباين الشديد بين ثبات ولاية رئيس الجمهورية وتذبذب ولاية رئيس الحكومة..
فلينتصر أي مرشح من أي معسكر في الإنتخابات الرئاسية، وليحكم البلد من دون حلفاء أحذية ينتعلهم من المعسكر الآخر ليمشي بهم في مياه الفساد الآسنة، ولتظهر نتيجة سياساته وخياراته في تعامل الدول الشقيقة والصديقة والصناديق المانحة معه، عندها سيذوب الثلج كما يقول المثل الشعبي ويبان ما تحته إن كان مرجاً واعداً بخضاره أو شيئاً آخر تزكم رائحته الأنوف وتهرب الأعين عن رؤيته.
القضم من العائدات النفعية للشراكة السعودية- الإيرانية وفق قواعد الرعاية الصينية الصارمة ليست طبقاً مجانياً معروضاً على من فوجئ بالإتفاق الجديد بعدما كان يعلن أن “من ينتظر تسوية إيرانية- سعودية سينتظر طويلاً”.
يبدو أن من إعتاد أن ينتظر دعما إيرانياً هو الذي سينتظر طويلاً لأنه لم يظهر حتى الآن ما يوحي بأي تغيير في الموقف السعودي خصوصاً أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أعلن بوضوح عقب الاتفاق بأنّ “لبنان يحتاج إلى أن يعمل على تقارب لبناني لبناني وليس تقارب إيراني سعودي”.
وبالإستناد إلى تصريح وزير الخارجية السعودي معطوفاً على أهم ما ورد في بيان إتفاق العصر أي التأكيد على “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”، سيجد من يبحث عن خارطة طريق للتعاطي مع الإتفاق الجديد ومن يعد أتباعه بسمن النصر وعسله، أن السعودية والدول المانحة لن تقدم أي دعم لرئيس للبنان إيراني الهوى والولاء ولميليشيا تطمح أن تتحول إلى حشد شعبي كشقيقها العراقي ولمافيا فساد مالي تدعي على قباطنتها محلياً كي لا تحاكمهم دول خارجية بنفس التهمة وفقاً للقاعدة القانونية التي تمنع محاكمة نفس الشخص أمام قاضيين منفصلين في نفس الوقت ووفق نفس التهمة.
لبنان لا يحتاج فقط إلى تقارب لبناني- لبناني بل أيضاً، وربما أولاً، بحاجة إلى ورشة تحديث تشريعي لردم الحفر القانونية التي يتسلل منها علم الفساد والإفساد.
صدق من قال: “إعادة البناء أسلم من الترميم”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |