تدخّل مصرف لبنان يلجم ارتفاع الدولار: المصارف تفتح أبوابها والأسواق تأخذ استراحة
مصرف لبنان حاول من ضمن الإمكانيات الموجودة لديه والصلاحيات التي يملكها لجم التدهور الحاصل، ولا يمكن للناس إلقاء اللوم كلّه على عاتق مصرف لبنان، إذ أنه المؤسسة الرسمية المدنية الوحيدة التي اتخذت قرارات، فالسؤال ماذا تفعل باقي المؤسسات؟
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
بعد التلاعب الفاضح بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، نتيجة المضاربة العلنيّة للصرافين غير الشرعيين، شهد الدولار ارتفاعاً صادما بأقلّ من أسبوع من 95 ألف ليرة إلى حدود الـ150 ألف ليرة لبنانيّة (أي بارتفاع 55 ألف ليرة) في سابقة تاريخيّة ومستوى قياسيّ غير مسبوق. ما أحدث غضباً عارماً من قبل التجار، والمواطنين على حدّ سواء، الذين لجأوا على مدى اليومين الأخيرين إلى قطع الطرقات احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصايّة والمعيشيّة.
وأمام هذا الجنون بسعر الصرف أصدر حاكم مصرف لبنان، بياناً أعلن فيه “إجراء عملية مفتوحة ومستمرة لشراء الأوراق النقدية اللبنانية وبيع الدولار نقداً على سعر صيرفة. وحدد المصرف المركزي، في تعميم، صيرفة بـ 90 ألف ليرة لبنانية مقابل كل دولار ابتداءً من 21 آذار 2023”.
وتلى البيان تصريح من الحاكم نفسه أوضح من خلاله “أنّ القرار الذي اتخذناه اليوم جاء لسحب كل الليرات اللبنانية من السوق”، مؤكّداً أنّ “مصرف لبنان لديه القدرة على ذلك”.
أمّا عن طريقة شراء الدولار مقابل الليرة فأوضح سلامة أنه “وبكل بساطة على المواطنين الذهاب إلى أقرب صراف فئة A، يتعامل معه المركزي، وهم معروفون من الجميع أو إلى المصارف التي لم تغلق أبوابها”، مشدداً على “إصراره على تنفيذ هذا القرار لمصلحة قدرة المواطنين الشرائية”.
ونتيجة هذا القرار، انخفض الدولار بأقلّ من ساعتين من الـ150 ألف ليرة إلى حدود الـ105 آلاف ليرة. كما أعلنت جمعيّة مصارف لبنان، في بيان، تعليق إضراب المصارف بلبنان بمناسبة شهر رمضان وتسهيلاً لأمور المواطنين اعتباراً من يوم الأربعاء الموافق 22 آذار.
وكانت أغلب المصارف في لبنان عادت في 14 الشهر الجاري إلى الإضراب عن العمل، بعد تعليقها الإضراب الذي بدأته في شباط الماضي لفترة مؤقتة، احتجاجاً على الإجراءات القانونية المتزايدة ضدها خلال الانهيار المالي في لبنان.
فما تفسير هذا الانخفاض؟
في جوابه على هذا السؤال، يقول الرئيس السابق لغرفة عمليات القطع في مصرف لبنان والخبير المالي بهيج الخطيب، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ “الارتفاع السريع لا بدّ أن يقابله انخفاض سريع، خصوصاً إذا ما طرأ حدث إيجابي كبيان الحاكم. ما سيحدث ردّة فعل ايجابيّة طبيعيّة”.
وشرح الخطيب أنّ “في أسواق القطع هناك ما يسمّى بالتحرّكات الأساسيّة والتحركّات التقنيّة، وما حصل يصبّ في خانة التحرّكات التقنيّة. فالتحرّك المضاد لحركة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء كان سببه تقنياً، فالدولار كان يرتفع دون أيّ مبرر وبسرعة قياسيّة وعند أوّل خبر إيجابي عاد وتراجع. إلاّ أنّ هذا التراجع لن يدوم بطبيعة الحال وسيعود الدولار إلى الارتفاع ولكن هذه المرّة بوتيرة أبطأ”.
وعن حركة الدولار من أوّل الشهر إلى اليوم علّق بالقول “شهدنا بأقلّ من ثلاثة أسابيع ارتفاعاً لسعر صرف الدولار في السوق الموازية بأكثر من 60%”، معللاً أنّ “السبب الرئيسي يعود إلى المضاربة وسط عدم قدرة مصرف لبنان على التدخّل وغياب أيّ تدفّقات نقدية من الخارج بكميات كافية للتخفيف من سرعة هذا التدهور، إلى جانب الأجواء السياسيّة السلبيّة (لا انتخاب لرئيس جمهوريّة، وحكومة تصريف أعمال ومجلس نوّاب غير قادر على الانعقاد إلّا لانتخاب رئيس للجمهوريّة) بالاضافة إلى مسألة التحقيق مع سلامة، كلّها عوامل ساهمت في هذا الارتفاع”.
تدخّل مصرف لبنان يخفف من معاناة موظفي الدخل المحدود
ويلفت الخطيب إلى أنّ “المصرف المركزي تدخّل للجم الإنهيار من خلال سحب السيولة بالليرة اللبنانيّة من الأسواق وبيعها بالدولار وفق سعر منصة صيرفة”، مشيراً إلى أنّ “سياسة مصرف لبنان هدفها اجتماعي أكثر من تقني، فهو يحاول مساعدة الموظفين أصحاب الرواتب بالدولار للتخفيض من خسارتهم والمودعين الذين يتقاضون إيداعاتهم بالدولار للاستفادة قليلاً من قيمة الدولار وهو بذلك يحمي الطرفين، بالإضافة إلى مساعدة من راتبه بالليرة اللبنانية ويريد تحويله إلى الدولار أيضاً كي يستفيد قليلاً، وبالتالي التخفيف من معاناة الموظفين محدودي الدخل”، مشدداً على أنّ “القرار بالأساس هو حكومي، ومصرف لبنان نفّذه، حيث سيتكبّد هذ الأخير الفارق والخسارة”.
ورأى أنّ “توجّه المصارف إلى فتح أبوابها سينعكس إيجابًا على زيادة عرض الدولار في السوق السوداء وبالتالي إذا ارتفع العرض سينخفض السعر ما سيساهم بتجفيف الكتلة النقدية في الأسواق”.
سعر صرف الدولار إصطناعي
من جهّته اعتبر الخبير المالي نسيب غبريل في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “سعر صرف الدولار في السوق الموازية والذي ظهر بآخر آب وأوّل أيلول الـ 2019 كان نتيجة شحّ السيولة بالعملات الاجنبية في الاقتصاد اللبناني، والتراجع الحاد للتدفقات الماليّة بالعملة الصعبة، وتزعزع الثقة بالنظام المالي، هو سعر اصطناعي غير حقيقي لسعر الصرف. فهذه السوق لا تخضع للمراقبة وهي غير شفافة ويتحكم بها المستفيدون من الحقبات السياسية السابقة والطلب من عبر الحدود، والمضاربون، وتجار الأزمات… وبما أننا نعيش في شرخ قضائي وسط انعكاف القضاة، وفراغ كلّي بالمؤسسات العامة، حيث ومنذ أيّار العام الماضي وحكومة لبنان في حالة تصريف أعمال، بعد عجز السلطة السياسيّة عن تشكيل حكومة، وفي فراغ رئاسيّ بعد انتهاء المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، فيما مجلس النواب غير قادر على الانعقاد، في مقابل إضراب مستمرّ في القطاع العام ما يؤثّر بشكل مباشر على إيرادات خزينة الدولة من المعاملات الرسميّة، فهذا الجمود والفراغ المؤسساتي، يعبّؤه المضاربون والمستثمرون بالأزمات إلى جانب المستفيدين من ارتفاع سعر صرف الدولار”.
وأوضّح غبريل أنّ “مصرف لبنان وفي الفترة الأخيرة وبالتحديد من أواخر الـ 2021 حاول من ضمن الإمكانيات الموجودة لديه والصلاحيات التي يملكها لجم التدهور الحاصل، بدءاً من تعميم 161 الصادر بتاريخ 16 كانون الأول 2021، ومروراً بسلسلة القرارات الأخرى للمحافظة نوعاً ما على استقرار سعر الصرف ووصولاً إلى قرار يوم أمس بعد أن عادت التقلّبات في سعر الصرف منذ أواخر الصيف الماضي إلى الواجهة من جديد”.
ضغط لإرغام الحاكم على الاستقالة؟
ووسط كلّ التساؤلات المطروحة حول قدرة مصرف لبنان على فعل أي شيء يجيب غبريل “لا يمكن للناس إلقاء اللوم كلّه على عاتق مصرف لبنان، فالأخير مؤسسة رسمية مدنية، والوحيدة التي اتخذت قرارات، فالسؤال ماذا تفعل باقي المؤسسات؟ حيث من غير المقبول إصدار الاتهامات دائماً والتنظير على مصرف لبنان”، مشدداً على أنّ “سعر الصرف وصل إلى مرحلة خطيرة، (145 ألف ليرة) ليس لأسباب اقتصادية ولا تقنية، فالارتفاع الذي شهده منذ أوّل هذه السنة وحتى اليوم لا يعود لأسباب تقنيّة، حيث لم نشهد زودة رواتب وأجور، ولا ارتفاعاً بالقدرة الشرائيّة للمواطنين، ولا تغيّرت فاتورة الاستيراد، ولم يتغيّر شيء في الوضع الاقتصادي وبالتالي الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الصرف ليست تقنية ما يؤكّد أنه سعر اصطناعيّ. ما يدفعنا للسؤال إذا كان ما يحصل اليوم هو ضغط سياسي لفرض أمر واقع على الأرض؟ وطبعاً ما من شيء مؤكد ولكن هل هذا ضغط لإرغام الحاكم على الاستقالة أم لفرض أمر معيّن في الاستحاق الرئاسي؟”.
ورداً على من يلقي اللوم على المصارف يقول غبريل “لا علاقة لإضراب المصارف بارتفاع الدولار، فحين أعلنت الأخيرة الإضراب في 6 شباط، كان السعر قد بدأ بالارتفاع بالفعل منذ خمسة أسابيع، وعندما عادت المصارف وفتحت أبوابها استمرّ سعر الصرف في السوق الموازية بالارتفاع، ما يؤكّد عدم علاقة المصارف بتذبذب سعر الصرف، خصوصاً وأنّ المصارف لم تتوقّف عن عملها طوال فترة الإضراب فالموظفون كانوا يحضرون إلى مكاتبهم والعمل كان مستمراً بشكله الطبيعي ما عدا بعض المعاملات”.