ديوان المُحاسبة من دون مُحاسبة… هباتٌ مهدورة وأخرى ثروةٌ مخبّأة!
أبرز المخالفات الموجودة في تقرير الديوان، هي قبول هبات من العام 1997 إلى العام 2010 بمراسيم إستثنائيّة وليس بمراسيم عاديّة في مجلس الوزراء. وقد سُجّل من هذه الهبات 23 فقط -من أصل 293 – بموجب مرسوم شرعيّ، فيما فتحت بما تبقّى منها حسابات خاصة لا تخضع لرقابة وزارة الماليّة.
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
فوضى ماليّة جديدة سببها لا يعود للأزمة الإقتصاديّة التي يعيشها شعبٌ بأكملهِ، بل هي إحدى أبرز أسباب الأزمة. فقد أصدر ديوان المُحاسبة منذ نحو شهر تقريباً تقريراً عن الهبات المُقدّمة للدولةِ اللّبنانيّة، وهنا كانت المُفاجأة إذ سجّل التقرير عدّة مخالفات!
فالهبات المقدّمة للبنان منذ العام 1993 ولغاية 2022 والتي يبلغ عددها 293، لم تصرف بأكملها! فما مدى قدرتنا على الطعن بقرارات ديوان المحاسبة، وما التأثير الإيجابيّ للهبات غير المصروفة؟
في هذا السياق أشار الدكتور الحقوقيّ المحامي جاد طعمه في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ ديوان المحاسبة محكمة إدارية تتولى القضاء المالي، مهامه الأساسيّة السهر على الأموال العموميّة والأموال المودعة في الخزينة العامة.
مؤكّداً، “تتجلّى هذه المهام عبر مراقبة إستعمال الأموال ومدى إنطباق هذا الإستعمال على القوانين والأنظمة المرعية الإجراء؛ كما الفصل في صحة وقانونية معاملاتها وحساباتها إضافة إلى محاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بها”. ويرتبط الديوان المؤلّف من قضاة ومراقبين إدارياً برئيس مجلس الوزراء.
ونذكر هنا أن لا حسابات للدولة اللّبنانيّة بين عامي 1993 و1996 بعد الحريق الّذي نشب داخل وزارة الماليّة، غير أنّ أبرز المخالفات الموجودة في تقرير الديوان، هي قبول هبات من العام 1997 إلى العام 2010 بمراسيم إستثنائيّة وليس بمراسيم عاديّة في مجلس الوزراء. وقد سُجّل من هذه الهبات 23 فقط -من أصل 293 – بموجب مرسوم شرعيّ، فيما فتحت بما تبقّى منها حسابات خاصة لا تخضع لرقابة وزارة الماليّة.
الهبات بحسب طعمه “لا يحتاج قبولها إلى رأي ديوان المحاسبة المسبق، ولكن إلى مرسوم عاديّ. وبعد قبول الهبة وإلى حين إنفاقها تحتاج لموافقة الديوان المسبقة كونها باتت من الأموال العمومية وهي تخضع أيضاً للرقابة اللاّحقة على قطع الحساب”.
وأردف: “قرارات ديوان المحاسبة في ما يتعلق بالرقابة السابقة واللاحقة على المالية العامة ليس عليها أي طريق من طرق المحاسبة أو الطعن أمّا القرارات بحقّ الموظفين – في حال تمّت معاقبة موظّف – فيمكن نقضها أمام مجلس شورى الدولة”.
وكان قد ذكر التقرير هبتي الإتحاد الأوروبيّ إذ تبلغ قيمة الأولى منها ثلاثين مليون يورو ولم يتمّ تسجيلها في الديوان، والثانية بقيمة اثني عشر مليوناً سجّلت عبر حساب خاص دون علم وزارة الماليّة، ناهيك عن هبات أخرى ذهبت مباشرةً لمجالس وإدارات رسميّة بطرق غير شرعيّة.
بدوره أكّد الخبير الإقتصاديّ والماليّ نديم السبع أنّ عدم تسجيل هبات داخل مالية الدولة اللبنانيّة، تضرّ بهذه الماليّة وبميزانيتها وتفتح الباب أمام الهدر والسرقات، وتؤدّي إلى صرفها بأماكن غير مخصصة لها وبطرق غير مُناسبة وخاطئة.
أمّا عن وجود أرصدة غير مستعملة وواجب تحويلها إلى حسابات الدولة بحسب التقرير، أوضح السبع ضرورة اغتنام الفرصة لاستعمال هذه الأرصدة بالطرق السليمة. “اليوم وفي حال وجود هبات لا تزال غير مُستعملة، نستطيع إعادة توجيهها في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، ممّا سيؤثر إيجاباً على الإقتصاد. فعلى سبيل المثال الهبة غير المصروفة للقطاع الزراعي سابقاً قد نستطيع تجييرها اليوم لزيادة العائدات الصناعيّة أو قطاعات أخرى”.
ونوّه السبع بهذه الخطوة التي تُعيد البلد تدريجياً على السكّة الصحيحة، في حال استطعنا تحريك هذه الأرصدة النائمة، قد تكون تلك فرصتنا بدعم قطاع إنتاجيّ يدرّ الأموال للبلد وينمّي ماليّة الدولة.
وأضاف: “لبنان هو مدرسة هدر المال العام، وعدم التصريح عن الهبات في مالية الدولة أو عدم صرفها بالمكان الصحيح، يكون جزءاً من هدر المال العام”.
وأمام فرضيّة إستثمار أرصدة الهبات غير المصروفة بطريقة سليمة وترشيدها وفق خطط إنمائيّة نستطيع المضيّ قدماً بمشاريع إنتاجيّة، نقف مسلوبي الأمل بمعرفة أين هدرت أموال على مدار عقودٍ كوننا بكلّ بساطة لا نستطيع الادّعاء على ديوان المُحاسبة.