رياض سلامة.. الرجل الذي أعدمته الجمهورية

ترجمة هنا لبنان 25 آذار, 2023

ترجمة “هنا لبنان”

كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:

بمجرد النطق باسم حاكم مصرف لبنان “رياض سلامة” تشتعل التوترات وتجحظ العيون وتنهال الشتائم، هذا الرجل الذي كان له دور بارز قبل اندلاع الأزمة المالية في العام 2019، ثم عمل على إدارة الوضع جزئياً منذ ذلك الحين… اليوم وعلى مشارف نهاية ولاية سلامة سنحاول التطرّق لهذا الموضوع للإحاطة بهذه الشخصية المثيرة للجدل بكل عناصرها، موضوعياً بعيداً عن أي عاطفة أو شفقة بناء على البيانات المتوفرة لدينا، بغض النظر عن مدى صعوبة هذه المهمة.

ولكن قبل البدء، تجدر الإشارة إلى أن هذه اللمحة العامة لا تتطرّق للتحقيقات القضائية التي يخضع لها سلامة في لبنان وفي أوروبا. فهذه الملفات لا تعني سوى المحققين وحدهم، والذين يتمسكون دوماً بمبدأ “افتراض البراءة”، في الوقت الذي ينهال فيه جيش الذباب الإلكترونيّ بالأحكام والإدانات وصولاً للتحضير للإعدام.

وأيضاً قبل البدء لا بدّ من إدراج ملاحظة جانبية بالخطّ العريض: رياض سلامة ليس مرادفاً لمصرف لبنان. وعلى الرغم من أنه يرأس كل لجان التحقيقات والرقابة على المصارف داخل المصرف المركزي، فهذا لا يعني أن أعضاء هذه الهيئات مجرد دمى.

وحتى على مستوى الحاكمية، “المجلس المركزي”، الذي يضم نواب الحاكم الأربعة والمديرين العامين لوزارتي الاقتصاد والمالية والمفوض الحكومي لمصرف لبنان، هو الذي يتخذ القرارات. ولم نسمع الأعضاء بحكم القانون يتذمرون كثيرًا طوال فترة ولاية رياض سلامة، بمن فيهم آلان بيفاني، المدير عام للمالية لمدة 20 عامًا والمعروف بمعارضته الشرسة للسياسة النقدية للحاكم.

وبالعودة إلى الأساسيات أو لاختصار الحقائق والارتكابات السيئة التي حُمّلت للحاكم، يمكن في الواقع، تشبيه قصة رياض سلامة لحكاية أحد الأطباء الذي غادر مكان عمله في كسروان، بعد فترة قصيرة لأنه لم يسلم من الأهل، فإذا توفي مريض وجهت إليه أصابع الاتهام، وإذا تعافى فلا بد أنه فعل القديسين.

وبعيداً عن التشبيهات، يمكننا البناء على المعطيات التالية:

– قام سلامة بتمويل القطاعين الاقتصادي والاجتماعي بقروض عقارية مدعومة، استفادت منها أكثر من 120 ألف أسرة. كما دعم المرافق الأخرى للتعليم والطاقة المتجددة والقطاعات الإنتاجية والشركات الناشئة. ترك هذا الدعم أثراً إيجابياً للغاية، خصوصاً وأنّ السلطتين التشريعية والتنفيذية كانتا في حالة من الغيبوبة في معظم الأحيان. ومع ذلك، انتقد صندوق النقد الدولي في مكان ما هذا السخاء الكبير لأنه خاطر بإضعاف المصارف. علاوة على ذلك، تعثر نظام القروض العقارية المدعوم بعد اعتماد السلسلة الجديدة للرواتب في القطاع العام، خصوصاً وأنها سمحت لعشرات الآلاف من الموظفين بالتأهل فجأة للحصول على قرض. وهنا أثر سلبي آخر.

– قام بتثبيت سعر صرف الدولار وكبح التضخم بشكل دائم، مما سمح للطبقة الوسطى بإعادة تكوين نفسها. ولا يمكن الجزم بأن هذا الدعم كان مصطنعًا طوال هذه الفترة، فليس بمقدور أي مصرف مركزي تزييف سعر العملة لفترة طويلة. كما أنّ هذا التثبيت، من جملة أمور أخرى، أتى نتاجاً للثقة التي استطاع رفيق الحريري ترسيخها في السوق. لكن مصرف لبنان تدخل في فترات الأزمات السياسية أو الحروب عندما تضاءلت الثقة.

– فهل كان عليه ترك سعر الدولار يتفلّت خلال هذه الأزمات؟ يردّ كثر بالإيجاب على الرغم من تعارض ذلك الموقف مع السياسات المعلنة والحازمة لجميع الحكومات. ومن ثم، اعتقد أن “الأزمة ستمر”. في العام 2021، قام أمين عام جمعية المصارف مكرم صادر، بتقدير تدخلات مصرف لبنان في سوق الصرف الأجنبي بـ20 مليار دولار. وضع سلامة هذه المبالغ في خانة الخسائر التي يمكن امتصاصها في إطار المكاسب المستقبلية. ولكن الخسائر وصلت مع ذلك، بالإضافة إلى مصادر خسائر أخرى، إلى مستويات يصعب تعويضها بهذه السهولة.

– يرى البعض أنه كان لا بد لسلامة من التوقف عن التدخل في العام 2016 عندما كانت الأزمة تلوح في الأفق، بدلاً من إطلاق هندساته الشهيرة، التي تتمحور حول تقديم فوائد أكبر لجذب رؤوس الأموال. وكان صندوق النقد الدولي، الذي تسامح في البداية مع هذه الهندسات، قد لاحظ أنها ليست تقليدية للغاية، محذراً من أنه ليس من الضروري الاعتياد عليها.

– ومع ذلك، يمكن ببساطة الاستنتاج أن الوضع كان ليتدهور أكثر لو أنه لم يتحرك قبل ثلاث سنوات. وسواء أكان على حق أم ارتكب خطأ فادحاً، كان الحاكم يشتري الوقت، (مع الإبقاء على “سيدر” بعين الاعتبار). بالإضافة إلى ذلك، يفتقر أولئك الذين يحاجّون بأن ذلك كان ليجبر السلطات على التدخل، للواقعية. فها هي الأزمة مستمرّة منذ ثلاث سنوات والسلطات لم تحرّك ساكناً.

-ويجادل آخرون بأنه توجب على سلامة أن يضع حدًّا لسياسة سعر الصرف الثابت (1500 ليرة لبنانية) في العام 2010، عندما كانت الدولة في أفضل حالاتها بعد أربع سنوات من النمو. تبدو هذه الفكرة منطقية تمامًا وتحظى بتأييد العديد من المتابعين.

-قد يقول آخرون إنه قام بتمويل الدولة، لافتين إلى بعض التدهور الكبير للدولة لفترة طويلة. فهل كان قادراً على الامتناع عن ذلك؟ ليس عندما يرتبط التمويل مرتبطًا بقانون ما. ربما في حالات أخرى، الأمر قابل للنقاش. وفي بعض الأحيان، كان يجد نفسه عرضة للابتزاز: “إذا لم توفر لنا المال، لن تتوفر الكهرباء أو رواتب موظفي الخدمة المدنية أو الأدوية”. ومع ذلك، يفترض كثر أنه كان بحاجة لفرض شروطه بشكل أكثر صرامة، في الوقت الذي عبر فيه صندوق النقد الدولي عن مخاوفه إزاء هذا التعرض للمخاطر السيادية.

– تمكن من الحفاظ على النظام المصرفي، فأقفل نحو ثلاثين مصرفاً من المصارف ذات الوضع الهش، دون أن يخسر أي مودع فلساً واحداً (حتى العام 2019). وهذا على الرغم من الطلقات التحذيرية التي مثلها بنك المدينة والبنك اللبناني الكندي وجمال ترست بنك والاحتلال السوري والعقوبات ضد حزب الله… مجموعة كبيرة من الملفات المتفجرة. يمكننا أن نلومه على نوع من المراوغة في إدارة هذه القضايا، ولكن بصراحة، من كان ليجرؤ على التلفظ باسم رستم غزالة أو الدخول في صراع مفتوح مع الحزب في الوقت الذي استسلم فيه رئيس الجمهورية والطبقة السائدة بأكملها، دون قتال رمزي.

– اتهمته المصارف بإرغامها بشكل رسمي أو عن طريق التلاعب، على إيداع أموال كثيرة لدى مصرف لبنان. ثمّ تم التسامح مع المبادرات أولاً من قبل صندوق النقد الدولي، إلى أن تحولت لمحل انتقاد عندما تجاوز التأثير السلبي النتيجة المتوقعة إلى حد كبير. ورد الحاكم بالقول إنه أعاد جزءاً كبيراً من هذه الأموال إلى المصارف لكن هذه الأخيرة تنفي. يجب أن توضح عمليات التدقيق المستمرة هذه النقطة الخلافية، من ضمن مسائل أخرى بقيت معلقة. ومع ذلك، يعكس تعبير المصرفيين في الغالب عن انتقادات خفية أو صريحة، عن اختلاف جوهري مع مصرف لبنان. وهذا ما قصد به رياض سلامة بقوله “النيران الصديقة”.

– والآن مع انفجار صمام الأمان، ماذا كان عليه أن يفعل؟ على مدى ثلاث سنوات، عملت التعاميم التي أصدرها كمسكنات. كان على دراية بذلك ولم يطمح لحل الأزمة. ففي كل الأحوال، لا يمكن للمصرف المركزي أن يحل أزمة مالية كهذه لوحده، ولا حتى أن يتسبب بها.

– لعل أكثر الانتقادات عقلانية هو ذلك الذي يتهم مصرف لبنان بتكريس الدعم خلال فترة طويلة، لكميات كبيرة من المنتجات، انتهى معظمها على دروب التهريب، والتسبب باستهلاك الاحتياطيات النقدية الحيوية للعمليات المستقبلية.

– في الوقت الحالي، يمكن القول إن الجزء الأكبر من الاقتصاديين يتفقون على أن أفضل حل يقتضي الانسحاب الكلي أو شبه الكامل لمصرف لبنان من ساحة المعركة.. لا “صيرفة” ولا دفاع عن الليرة ولا مساعدة.. عله يترك السلطات المنتخبة في البلاد أو ما بقي منها، لتقوم أخيرًا بواجباتها، حتى ولو عرضه هذا القرار للإقصاء. وعلى العموم، الوضع أشبه بالطوفان ولا يمكن لسد صغير مقاومته لوحده، فما الذي قد يحدث بعد؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us