ميقاتي لم يكن موفقاً في التوقيت
يبدو مفهوماً، أن يكون المرء ميقاتياً لتحديد مواقيت الصلوات. لكن أن يصبح الميقاتي محدداً مواقيت سياسات برّي وما أدراك ببرّي في هذا الزمان، فأمرٌ يدلّ على أنّ الميقاتي قد فقد البوصلة في التوقيت الصيفي.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
دخل لبنان رسمياً منتصف ليل السبت – الأحد الماضيين منطقة التوقيت المزدوج:
– المنطقة الأولى، خاضعة لقرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي حدّد نهاية التوقيت الشتوي نهار الجمعة في 21 نيسان المقبل.
– المنطقة الثانية، هي التي تخضع للقرار الصادر قبل ربع قرن عن الحكومة التي كانت برئاسة الشهيد رفيق الحريري في عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، والذي حمل الرقم 5 في 20/8/1998 والقاضي بتقديم الساعة ساعة واحدة في عطلة نهاية آخر أسبوع من شهر آذار في كل عام.
في الشكل وقبل المضمون، اختار الرئيس ميقاتي يوم الجمعة وليس الأحد، كي يتمّ الانتقال من توقيت إلى توقيت. فهل ظنّ صاحب القرار أنّ لبنان صار يعتمد الجمعة نهاية كل أسبوع بدلاً من الأحد منذ نشوء لبنان الكبير عام 1920؟
أما في المضمون، فلم يضمن الميقاتي أنّ كل عدّة تمديد العمل بالتوقيت الشتوي قد جرى توفيرها، وبالتالي لن تكون هناك فوضى كالتي حصلت منتصف ليل السبت الأحد الماضي بسبب بقاء لبنان على الجدول الدولي المعتاد للتوقيت الصيفي.
أغرب ما في الأمر، أنّ تسجيلاً مصوّراً جرى التقاطه “خلسة” للقاء الذي تمّ بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي وبين الرئيس ميقاتي في مقرّ الأوّل، فظهر في مقطع منه الرئيس برّي يخاطب ضيفه بالعامية قائلاً: “بدل ما يكون الساعة 7 يضلّ الساعة 6 من هلّق لآخر رمضان يا خيي مشّولن ياها”، وهكذا كان.
في الملاحظات على هذا الشريط الذي حصد نسبة عالية من المشاهدة على اليوتيوب، فإنّ طريقة تسجيله تشبه إلى حدّ بعيد الشريط الذي سجّل الوزير السابق ميشال سماحة وهو يدعو إلى تنفيذ تفجيرات في شمال لبنان بناء على توجيهات اللواء علي مملوك المسؤول البارز لدى رئيس النظام السوري بشار الأسد. ومن يراقب شريط عين التينة، يتبيّن أنّ الذي سجّله شخص ثالث غير برّي وميقاتي ما مكّنه من التقاط الصورة لكل من الرئيسيّن.
في اعتقاد أوساط إعلامية أنّ رئيس البرلمان، كما يثبت الشريط المصوّر، يقف وراء تسريبه، ما يعني أنّ أحد مساعدي برّي قد التقطه بناءً على أوامر من الأخير تمهيداً لتوزيعه. وجرياً على المثل القائل “لغاية في نفس يعقوب”، يتبيّن أنّ “الغاية في نفس برّي” هي إثارة جدل، كما حصل فعلاً. وما كان على الرئيس ميقاتي إلّا مجاراة شريكه على المستوى الرئاسي ما أراده على الرغم من أنّ التسجيل، يشير إلى أنّ رئيس الحكومة قد قال لمضيفه “إنّ المشكلة تكمن في مواعيد الرحلات الجوية وغيرها…”
إذاً، أثبت برّي في علاقته مع ميقاتي أنّ “كلمته ما بتصير تنين”، أمّا ميقاتي، فأثبت أنّه في علاقته ببري يعمل وفق أغنية فريد الأطرش “ساعة بقرب الحبيب”..
في اليوم الأوّل لبدء فوضى التوقيت في لبنان، كان على الرئيس ميقاتي أن يوضح لمن اتصل به من الشخصيات للاتفاق معه على موعد للقاء اليوم الإثنين في السراي الحكومي، أنّ الموعد هو في الساعة الفلانية بالتوقيت الشتوي تحديداً، كي لا يظنّ ضيوفه أنّه يعطيهم موعداً وفق التوقيت الصيفي.
هل كان الأمر يستحق هذا الجدل، في بلد مليء حتى الثمالة بأمور أكثر أهمية ومصيرية من قضية التوقيت؟
عطفاً على ما أوردته آنفاً الأوساط الإعلامية، يتبيّن أنّ رئيس البرلمان يتصرّف وكأنّه صار الآمر الناهي الأوّل في الجمهورية. فبعد تسريبة ترشيح زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية قبل أسابيع ليكون رئيساً للجمهورية، لاغياً بذلك أيّ دور للرئاسة الثانية التي عليها أن تكون الوسيط في الاستحقاق الرئاسي، ها هو اليوم، وبفعل شريط مسرّب، يلغي آخر ما تبقى من دور مستقل لرئيس حكومة تصريف الأعمال، فبدا الأخير وكأنّه ليس رئيساً للسلطة التنفيذية، بل صار عملياً سكرتيراً تنفيذياً لرئيس السلطة الاشتراعية.
أحد معارف ميقاتي يقول لكاتب هذه السطور: “كلّ القصة 26 يوماً وتنتهي”، في إشارة إلى أنّ التوقيت الصيفي قادم بعد هذه الأيام الـ 26.
لكن هل سيدار لبنان من الآن فصاعداً على طريقة “كل القصة” كما حصل مع تلزيم المطار الذي هو فضيحة بكل ما في الكلمة معنى؟
في بعض الدراسات، يرجع تاريخ آل الميقاتي في طرابلس إلى أواخر القرن الثالث عشر عندما فتح السلطان المنصور قلاوون مدينة طرابلس وحرّرها من الصليبيين في العام 1289 والبدء ببناء المسجد المنصوري الكبير، حيث يذكر المؤرخ الدكتور عمر تدمري في كتابه “آثار طرابلس الإسلامية دراسات في التاريخ والعمارة أنّ “السلطان قلاوون احضر الشيخ محمد الميقاتي من مصر ليتولى مهمة تحديد مواقيت الصلوات في المدينة انطلاقاً من المسجد الذي انتهى بناؤه بعد وفاته بأربع سنوات (في العام 1294)، وقد حمل لقب “الميقاتي” نسبة إلى المهمة التي تولاها في المسجد والتي توارثها أحفاده من بعده وما زالوا إلى اليوم، حيث يتولى مهمة “مؤقت طرابلس” اليوم اثنان من آل الميقاتي هما الشيخ ناصر الميقاتي والشيخ صالح ميقاتي”.
يبدو مفهوماً، أن يكون المرء ميقاتياً لتحديد مواقيت الصلوات. لكن أن يصبح الميقاتي محدداً مواقيت سياسات برّي وما أدراك ببرّي في هذا الزمان، فأمرٌ يدلّ على أنّ الميقاتي قد فقد البوصلة في التوقيت الصيفي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |