المتاجر لم تلتزم بقرار “الاقتصاد”: أهلاً بكم في “عصفوريّة التسعير”
قرار وزارة الاقتصاد بالتسعير بالدولار في السوبرماركت لم يؤتِ ثماره، فكثير من المتاجر لم يلتزم بالقرار وما زالوا يجدون طرقة لسرقة المواطن اللبناني..
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
بعد مرور شهر على دخول قرار وزير الاقتصاد أمين سلام بدولرة أسعار السلع الغذائيّة حيّز التنفيذ، سيطر مشهد فوضى الأسعار على رفوف السوبرماركات في لبنان. أهلاً بكم في”عصفوريّة” التسعير!
لا التزام بآلية تسعير “الاقتصاد”
جال موقع”هنا لبنان” على بعض أكبر وأشهر المتاجر في لبنان، لنتفاجأ بأنّ القسم الأكبر منها لم يتقيّد بآليّة التسعير المفروضة من قبل وزارة الاقتصاد. حيث لم يتمّ وضع سعر الصرف المعتمد من قبل بعض السوبرماركت على الرفوف ولا عند مدخل المحلّ ولا حتّى عند صناديق الدفع. لتبقى على المواطن مهمّة “التبصير”. وإذا سألنا أحد الموظفين، يستأذن لحظة ليستفسر من المشرف عن سعر الصرف فيعود إلينا قائلاً “هلّق عم نحسبا على سعر “أ” بس لحقوا حالكن قبل ما يرتفع الدولار!”. مع العلم أنّ قرار “الاقتصاد” يفرض على المؤسسة اعتماد سعر الصرف الذي دفعته لشراء الدولار بالدرجة الأولى لقاء البضائع، على ألّا يتعدّى السعر الرائج في السوق وقت الشراء من قبل المستهلك!
هذا ولاحظ “هنا لبنان” تبدّل سعر الصرف المعتمد بين سوبرماركت وأخرى، وقد يتراوح الفراق بين الـ500 والـ2000 ليرة بين متجر وآخر. ولدى استفسارنا عن السبب يأتي الجواب “الخيار يعود لكم، اقصدوا السوبرماركت الأوفر!”.
سلع دون تسعير أو بالليرة: “لا وقت لدينا”
بالإضافة إلى ما تقدّم، بقيت العديد من السلع المستوردة والمحليّة دون تسعير! حيث تفاجأنا بأنّ رفوف إحدى السوبرماركات الشهيرة في منطقة المنصوريّة خالية من أي سعر لأيّ سلعة. لا بالدولار ولا بالبناني! والأغرب أنّ هذا الأسلوب يعتمده صاحب السوبرماركت منذ أكثر من سنتين، ولم يتقدّم أيّ من سكّان المنطقة على تقديم شكوى فيما وزارة الإقتصاد غائبة عن السمع.
من ناحية أخرى أبقت بعض المتاجر على التسعير بالليرة اللبنانية لبعض السلع المحلية والمستوردة. والسبب بحسب الموظفين يأتي على شكل “لا نعرف”، أو “لا وقت لدينا”. فيما كانت تملك هذه المتاجر كامل الوقت سابقاً لرفع الأسعار في الثانية نفسها التي يرتفع فيها سعر صرف الدولار في السوق الموازية!
اختلاف بالأسعار بين متجر وآخر
في المقابل اختلفت الأسعار وبالدولار بين سوبرماركت وأخرى: فاللبنة الـ900 غرام على سبيل المثال كان سعرها 3.90 دولاراً في أحد المتاجر مقابل 4.05 دولار في متجر آخر! فيما صنف آخر كان يباع بـ4.35 دولار مقابل 4.49 دولار في متجر آخر.
فيما أحد أصناف الجبنة المطبوخة ” 120 غرام” كان يباع بـ 0.83 في أحد السوبرماركت، مقابل 0.85 في سوبرماركت آخر. أما الجبنة المطبوخة 500 غرام فبـ 4.3 دولارا في المتجر الأوّل مقابل 3.80 دولار في المتجر الثاني.
كذلك، جبنة الحلوم تباع بـ 2.75 في أحد المتاجر مقابل 2.65 في متجر آخر.
أمّا المحارم فـ 1.10 دولار في السوبرماركت الأوّل مقابل 1.39 دولار في السوبرماركت الثاني. وحتى الشامبو، بيع أحد أصنافه بـ7.52 دولار في أحد المتاجر مقابل 7.23 في متجر آخرّ! والمسبحة تكرّ، لتطال جميع السلع دون استثناء.
بحسبة بسيطة لكم غرض قد يتخطى الفارق في فاتورتكم بين متجر وآخر الـدولارين أي ما يقارب الـ220 ألف ليرة على سعر صرف 110 آلاف ليرة للدولار الواحد. وكل ما زاد الزبون عدد مشترياته كلما اتسع الفارق في الفاتورة بين متجر وآخر، أكثر فأكثر.
نصب واحتيال
هذا ويقف الناس مدهوشين حاملين هواتفهم التي فتحوا عليها الآلة الحاسبة، ليسارعوا بعمليات الحساب من ضرب وجمع، لاحتساب كلفة السلعة من الليرة إلى الدولار أو العكس. وإذا ما تخطى المبلغ ميزانيّتهم قاموا بإرجاع بعض السلع التي وبفضل التضخم تراجعت من مرتبة “الأساسيات” إلى “الكماليات”، مبقين على ما هو أكثر من ضروريّ كالخبز والصابون!
وفي هذا الإطار، رفع أحد المواطنين شكواه لـ “هنا لبنان”، ناقلاً معاناته مع فوضى الأسعار، بعد أن دخل إلى أحد المحال لشراء بعض الأغراض ومن ضمنها زجاجة نبيذ كانت قد سعّرت على الرفّ بـ13$، ليتفاجأ بعد الدفع بأنّ سعر الزجاجة في الفاتورة 16$، وبعد أن راجع الإدارة، تبيّن أنّ نفس الزجاجة سعّرت على رفّ آخر بـ14$ وعلى آلة الاستفسار عن السعر بـ15$ فيما على الصندوق 16$! فأعاد الزجاجة إلى المحلّ واستردّ أمواله. وفي طريقه مرّ إلى متجر آخر اشترى نفس الزجاجة بـ11$ أيّ بفارق 5$!
وفي سياق متّصل، شكت سيّدة مشاكلها لموقع “هنا لبنان”، مع ما وصفته “بعمليّة نصب في أحد المتاجر”. حيث قامت بشراء كميّة من الأغراض من إحدى المتاجر المعروفة، وعلى الصندوق قرّرت الدفع بالدولار، لأنّ الفاتورة كانت مرتفعة باللليرة اللبنانيّة ولم تكن تملك مبلغاً كافياً بالعملة الوطنيّة، لتتفاجأ بأنّ المحلّ قام بتحويل المبلغ من اللبناني إلى الدولار على سعر صرف 100 ألف ليرة مع العلم أنّ سعر الصرف المعتمد في المتجر كان 107 آلاف ليرة! أيّ بفارق 7 آلاف ليرة!
التسعير بالدولار ليس حلًّا مثاليًّا ولكنّه أفضل الموجود
في هذا الإطار يقول هاني بحصلي، نقيب مستوردي المواد الغذائيّة في حديثه لـ “هنا لبنان”، ” تصلني يومياً العديد من الشكاوى حول التسعيرالمزدوج لبعض السلع بالدولار واللبناني، والفارق بين سلعة وأخرى في متجر وآخر، ونحن نتابع هذه الشكاوى، ولكن المسألة تبقى لدى جمعيّة حماية المستهلك ووزارة الاقتصاد”.
وأعاد التأكيد على أنّ “التسعير بالدولار أعطى المواطنين فرصة المقارنة بين متجر وآخر، ما يفعّل المحاسبة والرقابة، حيث كانت الأسعار تتبدّل بين اليوم والآخر، وكان التاجر مجبراً على إضافة مبلغ على سعر السلع لحماية نفسه مع تقلّبات سعر الصرف في السوق الموازية، فيما اليوم أصبحت الأسعار ثابتة بالدولار، وهذا الفارق الذي يضيفه التاجر لم يعد موجوداً”.
ولم ينكر بحصلي أنّ “التسعير بالدولار ليس حلاّ مثالياً، ولكنّه على الأكيد أفضل من نظام التسعير السابق. كما أنّه حل مؤقت ريثما تحلّ الأزمة الاقتصاديّة، ولا نعلم إلى متى سيطول الالتزام بالتسعير بالدولار، فالمسألة ليست رهن قرار القطاع الخاص”.
بعض الشركات لم تسعّر بالدولار لأنها لم تعدّل أنظمتها
وعن مسألة تسعير بعض السلع بالعملتين، الليرة والدولار، شرح أنّ “بعض الشركات لم تسعّر بعد بالدولار، لانها لم تعدّل أنظمتها بعد، وإذا ما كانت الشركة الموردّة للسلع تسعّر باللبناني، فعلى السوبرماركت إصدر الفواتير والتسعير باللبناني، والعكس صحيح”، مؤكّداً أنه “منذ الشهر المقبل (أوّل نيسان) ستقوم جميع الشركات بتعديل نظامها والتسعير بالدولار”.
وردًّا على الاختلاف بالأسعار بين متجر وآخر، قال بحصلي “الاختلاف طبيعي لكوننا نعيش في اقتصاد حرّ، وبإمكان المواطنين المقارنة بين متجر وآخر، عبر المواقع الإلكترونية. حيث أصبح لكلّ متجر ضخم ومعروف موقع يعرض عليه السلع. كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورًا مهمًّا في كشف فارق الأسعار بين متجر وآخر. وبإمكان المواطن الاستناد إليها للمقارنة كي لا يتكبّد تكلفة مرتفعة لبدل المحروقات”.
وعن السوبرماركات التي لم تسعّر على الرفوف قال “عدم التسعير أمر غير مقبول، وعلى المواطنين التوجّه بشكوى لجمعيّة حماية المستهلك أو وزارة الاقتصاد، فلا مبرّر لعدم التسعير وهذه مخالفة واضحة لقرار “الاقتصاد”.
واعتبر بحصلي أنّ “مسألة عدم إلتزام السوبرماركت بسعر الصرف المعلن عنه عند دفع الزبون الفاتورة بالدولار من النقاط السلبية للتسعير والثغرات التي يتمّ استغلالها من قبل أصحاب بعض المتاجر لتحقيق مكاسب إضافيّة”، ورأى أنّ “هذ الأمر غير مقبول، وعلى أصحاب السوبرماركت إلتزام سعر صرف واحد للتسعير والدفع”.