اتفاق رباعي لحماية الأمن الغذائي.. لبنان عالقٌ بين “قيصر” و”الحظر السعودي” و”الرسم السوري”
يأتي الاتفاق الزراعي الرباعي في وقت بات الأمن الغذائي لأكثر من 70% من المواطنين اللبنانيين مهدّداً، فيما 33% من سكّان العالم العربي يعانون من انعدام الأمن الغذائي. فكيف سينعكس هذا الاتفاق على الواقع الزراعي في لبنان؟ وهل يتأثّر بعقوبات قيصر الأميركيّة؟
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
في إطار الحفاظ على الأمن الغذائي في لبنان، عقد وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن اتفاقاً مع وزراء الزراعة في كلّ من الأردن والعراق وسوريا، وعرف الاتفاق الذي يهدف إلى تشكيل مجموعة عمل من الدول الأربع وخلق شراكات مع المنظمات الدولية وإقامة مشاريع إقليمية مشتركة لمواجهة التغيرات المناخية والعواصف الرملية والغبارية، بالاتفاق الزراعي الرباعي.
ويهتم الاتفاق أيضاً بالمشاريع التي تساعد على تحقيق الأمن الغذائي وتقديم الدعم الفني ونقل التكنولوجيا ودعم المشاريع الصغيرة في المناطق الريفية لتأمين فرص عمل للشباب والنساء وسكان الريف.
واتفق أطراف الاتفاق في الأردن وسوريا والعراق ولبنان، على إيجاد صيغة للتعاون والتنسيق والتكامل في مجال الزراعة والغذاء والخدمات المرتبطة بها، وإنشاء منصة لتسجيل البيانات الإحصائية الزراعية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت بات فيه الأمن الغذائي، لأكثر من 70% من المواطنين اللبنانيين مهدداً، فيما يعاني 33 % من سكّان العالم العربي من انعدام الأمن الغذائي.
أما السبب الأساسي لهذا المأزق الخطر فهو سياسات الحكومات التي أهملت القطاع الزراعي على حساب قطاعات أخرى منها المصرفيّة، والخدماتيّة والنفطيّة، بالإضافة إلى الحروب التي ضربت أو انعكست على بعض الدول، ما أدى إلى عدم اكتفائها ذاتياً من المنتوجات المحليّة وارتكازها على الاستيراد بدل التصدير، ما انعكس سلباً على ميزانها التجاري من جهة وعلى أمن مواطنيها الغذائي من جهة أخرى.
فكيف سينعكس هذا الاتفاق على الواقع الزراعي في لبنان؟ وهل يتأثّر بعقوبات قيصر الأميركيّة؟
كيف ستنعكس الرسوم السوريّة المرتفعة؟
يقول أنطوان حويّك، رئيس جمعيّة المزارعين، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، إنّ “الاتفاقيات موجودة ولبنان لا يحتاج لاتفاقيات جديدة، بل بإمكاننا الاكتفاء بالاتفاقيات الحاليّة، وأهمها “اتفاقيّة تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية”، معتبراً أنّ “العائق الأساسي هو في رسم الشحن المرتفع للسلع التي تمرّ من لبنان عبر سوريا إلى دول الخليج. وهذا الرسم سياسي وحلّه يكون بزيارة وفد رسمي لبناني إلى سوريا للتفاوض، وهذا كان مطلب السوريين. فهذه الرسوم تمنع من انسياب السلع بسهولة إلى الأسواق العربيّة”، مذكّراً بأنّ “معبر ناصيف فتح منذ أكثر من 5 سنوات، ولم يتحرّك أيّ وفد من الممانعة في هذا الملفّ”.
لا تأثير لقانون قيصر على الاتفاق الرباعي الزراعي
إلى جانب الرسوم المرتفعة، يتحدث حويّك، عن “عوائق اقتصادية أو عوائق مرور، كقرار السعوديّة السياسي بمنع الاستيراد من لبنان، بعد توقيف أكثر من شاحنة كبتاغون كانت معدّة للتهريب من لبنان إلى داخل السعوديّة. وبالتالي إذا لم تخفّض الرسوم أو تلغَ، وإذا لم تفتح الأسواق مع السعوديّة، فلن تحلّ أزمة السلع. وكلّ مسعى في غير هذا الاتجاه هو غير مجدٍ. إذ أنّ توقيف تصدير السلع من لبنان إلى السعودية خفّض حجم التصدير من 500 ألف طن إلى 350 ألف طن”.
وأكّد حويّك أنّ “هذه الاتفاقيّات لن تتأثّر بعقوبات قيصر، إذ يحقّ لجميع المنتجات الغذائيّة، سواء كانت مصنّعة أو زراعيّة، المرور عبر سوريا من لبنان إلى دول الخليج”.
سياسة “الزراعة” vs واقع المزارعين
إلى ذلك كان وزير الزراعة قد أعلن في حديث سابق عن وضع “استراتيجيّة منذ نحو سنة ونصف حول سلامة الغذاء، يتصدّرها تأمين إنتاج من القمح والحبوب يكفي نحو 30% من حاجة السوق المحلية”.
وقال الوزير: “زرعنا نحو 15 ألف دنم من القمح، وهذا الرقم سيضرب بثلاثة أضعاف العام المقبل، بالتنسيق طبعاً مع الهيئات المانحة”، مضيفاً “نحن نستورد قمحاً لنطحن ونأكل، وبدل أن نستورد 23 ألف طن كل شهر، وبفضل السياسة الزراعيّة التي وضعناها، سنوفّر على الدولة كلفة استيراد القمح على مدى ثلاثة أشهر في السنة، حيث سنوفّر 1.5 مليون دولار في الشهر و5 ملايين دولار ونصف في هذه الأشهر الثلاث على الحكومة”.
في المقابل لفت حويّك إلى أنّ “إنتاج المزارعين من القمح لم يكن واضحاً في السنتين الأخيرتين، لأنّ الدولة توقّفت عن استلام المحاصيل من المزارعين، فيما كانت في السابق تشتري المحصول من المزارع بأسعار تشجيعيّة، أعلى من سعر الأسواق العالميّة”، مشيراً إلى أنّه “قبل العام 2018 كان إنتاج لبنان من القمح نحو 120 ألف طن، فيما بعد العام 2018 انخفض الإنتاج إلى 60 ألف طن، لأسباب تتعلّق بالطقس وبانسحاب عدد كبير من المزارعين من هذا القطاع”.
ما الحلّ لأزمة القمح؟
فيما الحلّ برأيه “ليس بالأسلوب الذي اعتمدته وزارة الزراعة، بل بالتزام الدولة شراء القمح من المزارعين في أوّل شهر تمّوز من كلّ عام، بنوعيّة محدّدة وسعر محدّد بالدولار. فلو اعتمدت الدولة هذا الأسلوب لكانت نصف السهول في لبنان قد زرعت قمحاً. بينما الدولة قامت باستيراد البذور من الخارج، وتأخرّت بتسليمها إلى المزارعين فطار موسم القمح. حيث كان العدد الأكبر من المزارعين قد زرع فيما القسم الآخر كان بانتظار الدولة. هذا وفقد المزارعون ثقتهم بالدولة التي كانوا يسلّمونها المحصول في تموز من كل عام فيما يتقاضون بدل المحصول في شهر كانون الثاني أو شباط من العام الذي يليه، أيّ بعد 7 أشهر على الأقلّ. لذلك يفضّل معظم المزارعين التعامل مع التجار الذين يدفعون لهم نقداً وبالدولار”.
مشاكل تعيق تصدير السلع من لبنان إلى العراق والأردن
بدوره، ينضمّ، رئيس نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان، نعيم خليل، إلى حويّك، ويقول في حديثه لـ”هنا لبنان”، إنّ “هناك بالأساس اتفاقيّات زراعيّة تربط لبنان بكلّ من دول العراق والأردن وسوريا، والتعاون قائم ومعه التصدير. والمطلوب اليوم هو السعي باتجاه نزع الضرائب عن الشاحنات التي تمرّ من لبنان بسوريا فدول الخليج”، لافتاً إلى أنّ “التصدير إلى العراق كانت تحدّه مشكلة تفريغ البضائع على الحدود وإعادة تحميلها بشاحنات أخرى لإيصالها إلى السوق ما كان يكلّفنا الكثير من المصاريف، فيما اليوم أصبحت الشاحنات اللبنانيّة تدخل الحدود وتفرّغ مباشرة في الأسواق العراقيّة إلاّ أننا لا زلنا نتكّبد تكاليف عالية للترانزيت أكثر من ثمن البضاعة. فيما المشكلة بالتصدير إلى الأردن هي بالمصاريف الإضافية التي ندفعها بدل ترانزيت وهو ما نسعى أيضاً إلى رفعه”.
وعن سلامة الغذاء شرح خليل أنّ “جميع البضائع يتمّ فحصها في المختبرات قبل تصديرها”، مضيفاً “كان لنا زيارة مع وفد لبناني يترأسه وزير الزراعة إلى سوريا يوم الثلاثاء الماضي في 28 آذار، التقينا خلالها عدداً من الهيئات الاقتصاديّة السوريّة، وعرضنا معهم مسألة الضرائب المرتفعة على الترانزيت، وتلقينا وعداً لحلّ هذه المعضلة، وانشالله خير”، مذكراً “بأنّه وبعد إقفال معبر ناصيف، كان السوريّون يشحنون البضائع عن طريق مرفأ بيروت وطرابلس ولم تفرض الدولة اللبنانيّة عليهم أي ضرائب”.