الحلّ حيادٌ.. واتحاد!
من أقصى أسافل التجارب المرة، تعود إلينا إمكانات التوقف عن كثب، وبسرعة عسى أن تكون استثنائية، على مشروعين إنقاذيين متكاملين، يحرران اللبناني من اللجوء إلى الخارج لحماية نفسه من أخيه اللبناني (المختلف إذا شئتم) ويعبّدان الطريق أمام نظام لامركزي يضمن اتحاد اللبنانيين ويضمن علمنة الدولة المركزية ويضمن “تبرئة الله” من الهامات المزيفة التي لا تنفك تنطق بإسمه، كما من الزيف الذي يدعي حمايته وحماية ما يسمى خطأً حقوق الطوائف عبر رئاسات طوائفية، أكانت مارونية أم سنية أم شيعية..
إنه الحياد الفاعل الذي يشكّل القبة الحديدية الحامية للبنان من “إستثمارات الدم” للدول المحيطة في أهلنا، أو من استباحة أرضه ساحة لصراعات خارج حساباته وحسابات اللبنانيين، وغالباً ما تكون نتائجها لحساب الجميع إلا اللبنانيين.
وإنه الاتحاد، أو نمط الدولة الحديثة والعيش الجديد للبنانيين عبر دولة إتحادية قوامها المحافظات الحالية – وزد إذا أردت – ولكن جوهر النظام الجديد هو قيام الدولة العلمانية المركزية، الخالية من البعد الطوائفي للجماعات، مع إحترام حقوق هذه الجماعات عبر التمثيل المحافظاتي الذي يؤمّن تلقائياً أمانها وبعدها الإنساني والإجتماعي والتربوي واللغوي – اذا شئتم – ويعطيها المساحات المناسبة لذلك التفاعل الخيّر بين أبنائها، فتدافع عن مصالحها وعن مصالح المحافظات الأخرى وبالتالي عن سيادة الدولة مجتمعة وعن كرامة الشعب؛ هكذا تماماً كتجربة الامارات العربية المتحدة، أو ألمانيا الإتحادية، يصبح لبنان، دولة جمهورية إتحادية او قل المحافظات اللبنانية المتحدة. بجيشٍ واحد وعملة واحدة ولغة رسمية عربية واحدة، ولكن لا تلغي اللغات الوطنية التي منها نسيج وطني خاص كالأرمينية مثلاً.
ويعود لبنان.. نعم يعود لبنان، ليلعب هذا الدور الرسولي للعيش معاً، بعدما يتمّ الفصل نهائياً بين البعد التنظيمي – الإداراي والسياسي، وبين البعد الثالث الذي وجد لبنان لأجله في الأصل. وما البعد الثالث إلا ما ينقص هذا العالم الجاف اليوم. هذا العالم المتصحّر في المادة والبحث عن المال والثروة على حساب ثورة الإنسان لأجل الأفضل، والمادة على حساب الله، والتكنولوجيا الأفقية على حساب الإستخدام العامودي لهذه التكنولوجيا، وحركة تبادل السلع والمال وتسليع الإنسان على حساب حركة الحضارة والتاريخ.. وبالتالي، الموت المحتّم، على حساب الحياة.
وربّ سائل كيف السبيل إلى ذلك في ظلّ هذا الزحل اللبناني نحو مشاكل المنطقة، والزحل العربي نحو السلام مع إسرائيل، والزحف البشري نحو خطاب الكراهية المتبادل من دون طائل بين اللبنانيين ولو صحّت الاسباب. نعم هناك وسيلة بسيطة وحيدة:
– إعلان حياد لبنان الفاعل والمتفاعل مع القضايا المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين.
– تحويل لبنان إلى واحة لحقوق الإنسان ومنصة عدالة دولية لذلك.
– إعلان اتحاد الجماعات التأسيسية المكونة للبنان في ظلّ دستور الجمهورية الثالثة الإتحادية العلمانية.
– إنفتاح لبنان على العالم من خارج القطبيات السياسية.
– إحتكار قرارات الحرب والسلم وإحتكار السلاح من قبل الدولة الإتحادية، وإنشاء حرس وطني للمحافظات وأمن داخلي وبلدي للمحافظات وأمن اتحادي للبنان يشبه الـ(FBI).
– دعوة حزب الله خصوصاً (وكونه الوحيد الذي يملك السلاح خارج الشرعية) إلى الخروج كلياً من صراعات المنطقة والإنضمام بكليّته إلى مشروع دولة الحياد والاتحاد وتعريف الآخر على فكره وعقيدته كسواه من الأحزاب. هذه الدولة التي تضمن الجميع وتوقف تحكم موازين القوى المتقلّبة، بل والمتقلّبة جداً بمصائر اللبنانيين. وما الدليل القاطع إلا ذلك الإنتقال فالإنهيار الدموي والعنفي والفوضوي، من مارونية إلى سنية إلى شيعية سياسية، ونجّنا اللهم من الآتي!
قال دوستويفسكي يوماً:”حين تسمع إمرأة تضحك كثيراً، قل لها كفاكِ وجعاً”.
إن ما يحصل بيننا لا يعدو كوننا نحتاج أكثر من أي يوم مضى إلى حماية الوجود قبل التنوع، وحماية التنوع ضد التقوقع، وحماية القضية قبل بيوت الآخرين، وحماية بيوت الآخرين عبر تركهم يقررون ما يريدون من دون تورّطنا في ما يريدون، ومن دون أن يكون على حسابنا.
قد تجد أجمل الأصوات في العالم وأجمل الموسيقى من حيث لم تتوقع وأجمل الناس حيث تنتظر شرّاً لأن الإنسان هو الإنسان وكل ما نحتاج إليه هو تنظيم عيشنا معاً كمن يقطن في مبنى سكني، يحافظ كل منا على خصوصيته داخل سكناه، ويرعى جميعنا المصلحة العامة للمبنى من أمنه إلى المشترك بين قاطنيه على إختلافه.
كتب الموسيقي الألماني غوستاف ماهلر لصديقه، “لا تتعب نفسك في تأمّل هذا المشهد، لقد أصبح لحناً بين يدي للتوّ”. علينا أن نسرع بل أن نبدأ البارحة، لأن الخطر داهم ومن لا يشعر بغير ذلك واهم.
علينا بإحترام إختلافاتنا والإعتراف بها، وأن نعمل ونجتمع على قرار وطني داخلي، يرعاه مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية وتقبل به، لا ترضى به، بل حتى تُقبل عليه إيران؛ تماماً كما رعت الدول الخمس الكبرى مشروع مترنيخ بعد مجازر 1860 وقبلت به الدولة العثمانية.
أقول قولي هذا علّنا نؤمّن التوافق في ما بيننا بسلام، ومن دون حروب جديدة سوف نعود من بعدها لو وقعت لا سمح الله، إلى التوافق.. والسلام.