أهراءات طرابلس: إهمال للاستثمار أو شروط تعجيزية؟
مشروع تأمين مخزون احتياطي بات يشكّل جزءاً أساسياً من الأمن الغذائي للبلد، إذ أنّه من غير المنطقي أن يكون المخزون الاستراتيجي من القمح لأيّ بلد في العالم محصوراً بمنطقة واحدة، خصّصت الخطة التي وضعتها وزارة الأشغال العامة والنقل بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة لتأمين الأمن الغذائي لمرفأ طرابلس مساحة تقدر بـ ٣٦ ألف متر مربع لبناء أهراءات بقدرة استيعابية تبلغ ١٢٠ ألف طن من القمح والشعير والذرة.
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
بعد تفجير الرابع من آب وانهيار الجزء الأكبر من أهراءات مرفأ بيروت، أصبح همّ الأمن الغذائي يؤرق اللبنانيين، لعدم وجود مخزون استراتيجي وطني من الحبوب والقمح، فلبنان يستورد حسب حاجته، والكميات الموجودة عادةً تكفي لشهر واحد فقط، في ظل عدم القدرة على استيراد كميات أكبر لغياب أماكن لتخزينها.
ولأنه من غير المنطقي أن يكون المخزون الاستراتيجي من القمح لأيّ بلد في العالم محصوراً بمنطقة واحدة، بات مشروع تأمين مخزون احتياطي يشكل جزءاً أساسياً من الأمن الغذائي للبلد، فكانت الخطة التي وضعتها وزارة الأشغال العامة والنقل بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة لتأمين الأمن الغذائي بـ ٣٦٠ ألف طن قمح، لمدة عام، في كل من مرفأي طرابلس وبيروت ومنطقة البقاع، وخصصت لمرفأ طرابلس مساحة تقدر بـ ٣٦ ألف متر مربع ولبناء أهراءات بقدرة استيعابية تبلغ ١٢٠ ألف طن من القمح والشعير والذرة.
في شهر آذار الماضي، كان يفترض ووفق آلية الشراء العام، وبعد إعلان وزارة الاشغال الانتهاء من دفتر الشروط، إطلاق مناقصة بناء وتشغيل أهراءات مرفأ طرابلس على الأرض المخصصة له، إلّا أنّه، وبحسب معلومات موقع “هنا لبنان” لم تتقدم أيّ شركة، فجرى تأجيل المناقصة إلى بداية شهر أيار، إفساحاً في المجال أمام الشركات المهتمة لتقديم العروض.
وفي المقابل، يقول مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر لموقع “هنا لبنان” أنه “رغم عدم تقديم أي شركة للمناقصة في المرحلة الأولى إلّا أنّ بعض الشركات أظهرت اهتماماً بالمشروع واستفسرت عن بعض الأمور الفنية، كما أن عدداً من الشركات اشترت دفتر الشروط” ويكشف تامر أن “هناك شركتَين مهتمتين من ضمنهما شركة لبنانية لها باع طويل في مجال البناء، إذ أنّ من ضمن الشروط، أنّ يكون للشركة خبرتها في مجال البناء وتشغيل وتأمين موارد الإنتاج، ويعلل تامر سبب عدم حماسة القطاع الخاص على الاستثمار بأهراءات مرفأ طرابلس إلى الوضع السياسي والاقتصادي العام، كما أنّ المشروع ليس مشروعاً مربحاً تجارياً بقدر ما هو مهم لناحية الأمن الغذائي”.
من جهة أخرى، يكشف رئيس غرفة الزراعة والصناعة والتجارة في طرابلس توفيق دبوسي لموقع ” هنا لبنان” أنّ مستثمرين عدة أبدوا اهتمامهم ببناء وتشغيل أهراءات طرابلس إلّا أنّ التأخر الذي حصل من قبل إدارة مرفأ طرابلس ووزارة الأشغال بالانتهاء من دفتر الشروط، جعلهم ينقلون اهتماماتهم إلى مشاريع أخرى.
ويرى دبوسي أن المشكلة الحقيقية تكمن في فرض وزارة الأشغال في دفتر الشروط نسبة 15% كأرباح تعود لمرفأ طرابلس من نسبة حركة المرفأ، وهو رقم عالٍ وليس علمياً أو ذا جدوى اقتصادية، فهذه الأهراءات ليست مشروعاً تجارياً بل تتعلق بالأمن الغذائي الوطني، مطالباً بإعادة النظر بهذه النسب لجذب شركات كبيرة لتنفيذ هذا المشروع وعدم التفكير بتحقيق إيرادات انما بأولوية الأمن الغذائي.
ويكشف دبوسي أنّه وفي إطار الجهود التي تقوم بها الغرفة، لتسويق مدينة طرابلس وجعلها عاصمة لبنان الاقتصادية، قدمت وعلى إثر انفجار مرفأ بيروت، كتاباً لمدير مرفأ طرابلس يتضمن دراسة جدوى علمية وتقنية وهندسية لإنشاء صوامع للحبوب بالقرب من الرصيف، وورد في الكتاب أن الغرفة بصدد إنشاء شراكات محلية وإقليمية ودولية، وعربية بالدرجة الأولى، لتطوير الخدمات الموجودة في مرفأ طرابلس، مطالبة بوضع المساحة المذكورة بعهدة الغرفة لكي تستطيع استكمال الشراكات المطلوبة لتشغيل هذا المرفق لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد.
وقد قام دبوسي بالتعاون لهذه الغاية مع اتحاد الغرف التجارية العربية واتحاد المصارف العربية للعمل على جذب مستثمرين على مساحة 36 ألف متر مخصصة في المخطط التوجيهي لبناء صوامع الحبوب. وقدمت الغرفة الدراسة أيضاً إلى مؤسسة تشجيع الاستثمار “ايدال” لتدقيقها والوقوف على جدواها، وقامت الغرفة بهذه الدراسة بالتعاون مع الشركة السويسرية التي قامت ببناء الأهراءات في مرفأ بيروت عام 1969 بتمويل من دولة الكويت.
يقدر دبوسي أن “كلفة ترجمة فكرة تشييد الأهراءات في مرفأ طرابلس إلى واقع فعلي بين 15 الى 20 مليون دولار ويسعى دبوسي إلى اقناع المستثمرين بالعودة إلى المزايدة، وقد عقد لهذه الغاية سلسلة اجتماعات تصب كلها في سياق توفير الأمن الغذائي الوطني انطلاقاً من طرابلس”.
مشروع بناء أهراءات طرابلس التي دُمرت إبّان الحرب الأهلية، ولم تسلم من وحشية إسرائيل التي استهدفتها في حرب تموز 2006، بذريعة وجود رادار عليها، متوقف لحين إيجاد المهتمين بالاستثمار في لبنان وطرابلس، وهو ما قد يكون متعذراً. فوزير الأشغال العامة والنقل علي حمية كان قد صرح في مؤتمر صحافي بأن إيرادات المرافق التابعة لوزارة الاشغال العامة والنقل تزداد وتيرتها، وهناك دراسة خطة لتحويل جزء من هذه الإيرادات لبناء الأهراءات في مرفأي بيروت وطرابلس. فهل يكون هذا هو البديل في حال لم تتقدم أيّ شركة للمناقصة في أيار المقبل، ولماذا تم إهمال طلب غرفة الصناعة والتجارة في طرابلس وهل سيوضع هذا المشروع في أدراج الدولة اللبنانية على غرار عشرات المشاريع، التي لو نفذت كان من شأنها إنماء مدينة طرابلس وتأمين آلاف فرص العمل فيها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |