استمرار رفع سعر ربطة الخبز يهدّد بثورة رغيف ثانية: بعد رفع الدعم بطاقة تمويليّة؟
سبق أن شهدت البلاد أزمة خبز في العام 1974، عندما رفعت الحكومة سعر كيلو الخبز ٥ قروش، ما أدّى إلى تظاهرات انطلقت في آخر أسبوع من شهر آذار، عرفت بتظاهرة الرغيف.
فهل نحن على أبواب تظاهرة رغيف ثانية؟ وإلى متى سيستمرّ ارتفاع سعر ربطة الخبز؟
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
شهدت ربطة الخبز منذ اندلاع الأزمة الاقتصاديّة في عام 2019، ارتفاعاً كبيراً في سعرها، الذي انتقل من 1500 ليرة لبنانية إلى 45 ألف ليرة ، محققاً نسبة ارتفاع 3000%. ويستمرّ سعر الربطة بالصعود مع استمرار سعر صرف الدولار بالتحليق في السوق الموازية وسط انخفاض قيمة العملة الوطنيّة. هذا وتؤثّر عوامل أخرى على سعر الخبز، نذكر منها أزمة القمح العالميّة نتيجة الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، والتي أدّت إلى رفع أسعار القمح بعد ارتفاع الطلب عليها وانخفاض العرض. ويستهلك لبنان متوسّط 60 ألف طن من القمح شهرياً، حيث استورد نحو 754 ألف طن من القمح خلال عام 2021 فقط، بحسب أرقام المديريّة العامّة للجمارك. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات والتي أثّرت على سعر ربطة الخبز في المحلات التجاريّة، بعد أن كاد يلامس سعر التنكة حدود المليوني ليرة، وسط مطالبات بدولرة أسعار المحروقات. ونتيجة انخفاض القدرة الشرائيّة للعاملين في لبنان، تنضمّ مطالب عمّال الأفران برفع أجورهم لتتلاءم مع الوضع المعيشي، إلى سلسلة الأسباب التي قد تنذر باحتمال ارتفاع جديد لسعر ربطة الخبز.
من جهّة أخرى، تزيد أزمة النازحين السوريين الطين بلّة، فبحسب تصريح سابق لوزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام “يستهلك النازحون السوريون في لبنان نحو 400 ألف ربطة خبز يومياً، أي بمعدل 40% أو 50% من القمح الذي يدخل إلى لبنان”.
وكان قد كشف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار أنّ “لبنان يدعم النازحين السوريين بـ9 مليون دولار شهرياً كثمن للخبز، فضلاً عن خدمة الكهرباء والمياه التي كان يحصل عليها النازحون مجاناً”.
ويذكر أنّها ليست المرّة الاولى التي يمرّ فيها لبنان بأزمة خبز، بل سبق وشهدت البلاد أزمة خبز في العام 1974، عندما رفعت الحكومة سعر كيلو الخبز ٥ قروش، ما أدّى إلى تظاهرات انطلقت في آخر أسبوع من شهر آذار، عرفت بتظاهرة الرغيف.
فهل نحن على أبواب تظاهرة رغيف ثانية؟ وإلى متى سيستمرّ ارتفاع سعر ربطة الخبز؟ وما الحلول التي قد تلجأ إليها الدولة؟
التكاليف بالدولار فيما الربطة تباع بالليرة اللبنانيّة
في هذا الإطار يقول رئيس نقابة بيروت وجبل لبنان للمخابز العربية، ناصر سرور، إنّ “ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء هو السبب الرئيسي لارتفاع سعر ربطة الخبز، والتي تدخل في صناعتها المكوّنات التالية: سكّر، خميرة، زيت، ملح، مياه، أكياس النيلون، رباط، بدل صيانة المكنات من قطع غيار وأجرة يد عاملة، مازوت لتشغيل الأفران، مولدات للكهرباء، وجميعها تكاليف يتكّبدها صاحب الفرن بالدولار”.
ويلفت سرور إلى أنّ “فقط 25% من الطحين المستورد لا يزال مدعوماً على سعر صرف 7000 ليرة للدولار الواحد، فيما 75% من ثمن الطحين ندفعه بالدولار الذي نشتريه وفق سعر صرف السوق السوداء. فيما ثمن ربطة الخبز كان سابقاً بـ1$، على سعر صرف 1500 ليرة، أمّا اليوم فأصبحت ربطة الخبز بـ38 سنت وفق سعر صرف السوق السوداء، أيّ أقلّ من نصف دولار”.
50% من المواطنين يشترون الخبز من الأفران مباشرة
وشدّد على أنّ “سعر ربطة الخبز متوسّطة الحجم في صالات الأفران هو 37 ألف ليرة ، وتضاف إليها نسبة ربح الدكاكين أو المتجر وهي 15% بحسب وزارة الاقتصاد، وطبعا مصاريف توزيع الخبز على المحلات، والتي تشمل البنزين وصيانة السيارات”، مبرراً اختلاف السعر بين منطقة وأخرى “بمسافة الطريق التي تكبّد الموزّعين المزيد من البنزين، فكلّما كانت المسافة أكبر ارتفع سعر الربطة أكثر. ولعلّه السبب الذي دفع أكثر من 50% من المواطنين إلى شراء ربطة الخبز مباشرة من الأفران، حيث السعر الأقل، بعد أن كان 70% من اللبنانيين يشترون الخبز من الدكانين”.
جودة الرغيف اللبناني قائمة على العامل السوري
وعن رفع رواتب العاملين في الأفران، أكّد سرور أنّ “أصحاب الأفران قاموا برفع الرواتب إلى قرابة الـ20 مليون ليرة منذ عدّة أشهر، فيما تصل رواتب بعض الموظفين إلى الـ350$ وفق سعر السوق السوداء. في المقابل لا تزال التسعيرة الرسميّة من قبل وزارة الاقتصاد، 13 مليون ليرة. وطبعاً تدخل رواتب الموظفين من ضمن كلفة الخبز”.
ويشرح أنّ “أغلبيّة العاملين في الأفران اللبنانيّة، هم من أصحاب الجنسيّة السوريّة، حيث من الصعّب إيجاد عاملين لبنانيين ينتهجون صناعة الخبز العربي. فيما السوريون يمتهنون إنتاج الخبز العربي منذ أكثر من 40 سنة. ما يعني أنّ جودة الرغيف اللبناني قائمة على العامل السوري. وإذا لم تعطى لهم زودة على الراتب، سيسافرون، ما قد يوقف عمل العديد من الأفران”.
مطالب برفع يوميّة عامل الفرن إلى 15$
وكشف عن “نقاشات جرت مع وزارة الاقتصاد ونقابة العمّال لتعديل رواتب العاملين في هذا القطاع، للمحافظة على الإنتاج بشكل طبيعي”، لافتاً إلى أنّ “أجرة العامل اليوميّة قبل الأزمة كانت تتراوح بين 25$ و30$ ، ونحن اليوم نطالب بأن تسعّر يوميّة العامل من قبل “الاقتصاد” بـ 10 $، على أن يتكلّف أصحاب الأفران 5$ إضافيّة لليوم الواحد من أرباح الفرن لصالح العامل. إلاّ أنّ هذا الاتفاق تمّ ولم ينفّذ حتى الآن، وكان الدولار آنذاك قد لامس الـ145 ألف ليرة. وكنّا كأصحاب أفران نخسر 15 ألف ليرة بالربطة الواحدة ومع ذلك طالبنا برفع رواتب الموظفين، ولم نتوقّف يوماً عن تسليم الخبز للأفران. فهذا التزام أخلاقيّ منّا تجاه المواطن”.
هذا، ويتّم توزيع أكثر من 1.000.000 ربطة خبز في اليوم تنقسم بين 600 ألف ربطة للبنانيين و425 ألف ربطة للاجئين السوريين، بحسب سرور.
بطاقة تمويليّة للخبز؟
وتحدّث سرور عن “قرض الـ150 مليون دولار من البنك الدولي للبنان والمخصّص لدعم الخبز”، مؤكّداً “صرف 50 مليون دولار منذ 3 أشهر وحتى الآن من قيمة القرض الذي بفضله لا تزال تسعيرة الخبز متدنيّة، ولم تتمّ دولرتها حتى الآن. وبعد انتهاء أموال القرض، أي بعد حوالي الـ9 أشهر، قد يتوجّه المعنيون إلى إقرار بطاقة تمويليّة، قبل رفعهم الدعم بالكامل عن الطحين”.
وفي تفاصيل هذه البطاقة، يفسّر، أنّها “قد تقدّم من وزارة الشؤون الاجتماعيّة، حيث هناك 297 ألف بطاقة حتى الآن أنجزت لدى قيادة الجيش، وتسمح لحامليها بتقاضي بدل ربطتي خبز باليوم، حسب حجم أفراد كلّ أسرة، بالدولار. على أن تكون البديل عند رفع الدعم عن طحين الخبز العربي فئة 85. وهذا كان مطلبنا كنقابة من الأساس. على أن تعطى حصراً للعائلات اللبنانيّة، وتترك مسؤوليّة النازحين السوريين للأمم”.
ربطة الخبز بالدولار وفق منصّة صيرفة؟
من جهته يرى الصحافي شارل سابا في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أنه “وعندما أقرّ مشروع القرض الدولي في مجلس النواب بشهر تمّوز من عام 2022، والذي بلغت قيمته الفعليّة 90 مليون دولار، كان وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام واضحاً بأنّ هذا إجراء مؤقت ستتوجّه بعده الدولة إلى تحرير كلّي للقمح الاسمر الذي يدخل في صناعة الخبز، فالقرض جاء لتخفيف وطأة رفع الدعم. حيث كان من الممكن أن نشهد ثورة مشابهة لثورة الرغيف عام 1974 في حال رفع الدعم مباشرة عن الخبز”.
“وعند انتهاء القرض، قد يلجأ المعنيون إلى الصرف من أموال الـSDR لتمويل القمح (وهي أموال صندوق النقد)، أو ستمدّ الدولة يدها على ما تبقى من أموال الاحتياطي الالزامي للمصرف المركزي”، بحسب سابا، الذي توقّع “من طريقة معالجة المعنيين للملفّ، الذهاب باتجاه تغيير احتساب دولار القمح، حيث قد يربط على سعر منصّة صيرفة المخفّض، على غرار رواتب القطاع العام”، معتبراً أنّ “موضوع البطاقة التمويلية “تجليطة”، فالدولة عاجزة عن إحصاء عدد الفقراء والأسر الأكثر حاجة وتنظيم عمليّة التوزيع. فالدولة لم تستطع حتى حلّ مشكلة بيع التجّار للطحين المدعوم بسعر حرّ لمحلات الحلويات!”.
وحذّر سابا من “ما سيؤول إليه وضع الفقراء في لبنان في حال ربط سعر الخبز بالدولار، وإضطرارهم لدفع ثمنه وفقاً لسعر صرف السوق السوداء”، مذكّراً “رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتصريحه منذ حوالي العام بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول دعم روسي كبير على صعيد القمح في لبنان”، معلّقاً “لم نرَ سوى سفينة قمح واحدة!”