محطات تكرير وبيع مياه الشرب: الفوضى سيدة الموقف والبيع بالدولار أحدث الإبتكارات
تغيب الدولة اللبنانية عن تنظيم قطاع محطات تكرير وبيع مياه الشرب تاركة الفوضى تعيث فيه، ففي ظل الغلاء الفاحش يبحث المواطن عن “الأرخص” حتى في مياه الشرب ما يجعله ضحية للتلوّث الذي يملأ المحطات غير المرخصة العاملة بطريقة غير شرعية.
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
جرياً على خطا المولدات الخاصة التي قسمت المناطق وجعلت الرغبة بالإشتراك بمولد كهربائي خارج الحيّ أو الشارع أمراً مستحيلاً، فهذه الخطوة تعتبر “سرقة زبون” وقد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من إطلاق نار وسقوط جرحى بين أصحاب المولدات أو العاملين لديهم؛ باتت معظم محلات تعبئة وبيع مياه الشرب في لبنان تعتمد هذا الأسلوب، في سبيل الحفاظ على عدد زبائنها أولاً وللعمل على زيادته تدريجياً.
هذه الظاهرة كانت معروفة في سوق أصحاب صهاريج بيع المياه ليس في بيروت وحسب بل في معظم المناطق اللبنانية.
يؤكد محمد عز الدين عضو الهيئة التأسيسية لنقابة أصحاب محطات تكرير وبيع مياه الشرب في لبنان في حديث لـ “هنا لبنان” أن “هذا القطاع حل مكان قطاع مياه الدولة من عشرات السنين، وللأسف لم يجرؤ أحد على تنظيمه، ونحن منذ العام 2012 وحتى اليوم نحاول جاهدين تنظيم هذا القطاع لأنه ومنذ أن فرضنا المراسيم التطبيقية للقانون 210”.
وأوضح عز الدين بأن الشركات التي منحت التراخيص يبلغ عددها 187، ونظمت نفسها وأمورها، وباتت تتمتع بالتعبئة الأوتوماتيكية وبالشروط والمواصفات المطلوبة فيما بقية المحلات الأكثر انتشاراً ويتخطى عددها الألف لا تزال تعمل في جو من الفوضى.
واللافت أن هذا القطاع غير تابع لجهة رسمية محددة ولا سلطة فوقه، لكنه بالتأكيد يتأثر بالأزمات التي يتخبط بها لبنان منذ الأزمة الاقتصادية عام 2019 مروراً بانفجار بيروت وأزمة كورونا وأزمة الكوليرا. لنرى تمايزاً في السلوك “الشركات المرخصة التزمت بالشروط الصحية التي فرضناها، فيما الشركات غير المرخصة بقيت تعمل بلا حسيب ولا رقيب، وبالتأكيد هذا ينعكس كله على صحة المستهلك على المدى المتوسط والبعيد”، وفق عز الدين.
بدوره يكشف الخبير بالسموم البيئية والغذائية جوزيف الصايغ في جمعية المستهلكين في لبنان في حديث لـ “هنا لبنان” أن حالة سلامة وجودة المياه في لبنان تثير القلق، وتوجد تقارير عن مشكلات في جودة المياه التي تؤثر على السكان. لافتاً إلى أنّ إحدى المصادر الرئيسية للقلق هي تلوث مصادر المياه السطحية والجوفية، بسبب تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة، والنفايات الصناعية، وتصريف مياه الزراعة.
وتعتمد هذه المحلات المرخصة وغير المرخصة منها على مصدرين أساسيين للمياه: المياه السطحية أو الجوفية ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الوصول إلى مصادر المياه المحسنة في لبنان مرتفع، حيث يتمتع 96٪ من السكان بوصول إلى مصادر مياه الشرب المحسنة.
ومع ذلك، يشدد الصايغ على أنه لا يمكن ضمان جودة المياه التي يتم توفيرها من خلال هذه المصادر، وتلوث المياه بسبب الملوثات الكيميائية أو البكتيرية هو مشكلة كبيرة.
وعن قيام بعض الشركات ببيع المياه بالدولار، يوضح عز الدين “لاحظنا كيف أنّ الشركات المرخصة التزمت بشراء عبوات بلاستيكية مستوفية الشروط وتغييرها في فترة زمنية معينة، وشراء الكثير من المواد بالدولار. والكثير من الشركات التي نالت الرخصة في العام 2017 و2018 تبيع الماء بالدولار وهم مضطرون لذلك، لالتزامهم بالشروط المطلوبة”.
في المقابل يطلق عز الدين على العدد الأكبر من الشركات “شركات تعبئة تحت الدرج” كونها لا تزال في فوضى كاملة، وعملها يؤثر على نوعية المياه في الأسواق، وتخلق منافسة غير شرعية وتجعل القطاع “مبهدل”، مشيراً إلى أن أكثر تصرف مؤذٍ في قطاعنا هو لجوء المستهلك إلى شراء المياه الرخيصة وبالتأكيد الملوثة بسبب ضعف القدرة الشرائية. ولذلك السبب زاد انتشار هذه المحلات في المناطق اللبنانية، وخلال الأزمة التي يمر بها لبنان ومن دون مراقبة وحتى المحلات التي تفتح أبوابها في هذه الفترة هي غير مرخصة.
وفي الختام يبدو أن واقع محلات تعبئة مياه الشرب معقد جداً وصعب جداً، ومشاكله في ازدياد مطرد إذا اشتدت الأزمة، ويحاول عز الدين اليوم فرض إيقاع معين مع المرخص وغير المرخص، بما فيه مصلحة الجميع إن من ناحية التسعير أو من ناحية طريقة البيع، لأن “التسعير ينعكس على الجودة وإذا لم نشهد خطوات عملية وإجراءات جدية ورقابة صارمة للقطاع فإن الفوضى بالتأكيد ستتضاعف”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |