من “فتح لاند” إلى “حماس لاند”… ولكن!
بعد أربعة وخمسين عامًا على “اتفاق القاهرة” وعلى “فتح لاند”، يعود جنوب لبنان “منصَّة صواريخ” ليس لحركة “فتح” بل لحركة “حماس”، وكأن الجنوب تحوَّل إلى “حماس لاند”، مع ثابت وحيد وهو أن جنوب لبنان ما زال خارج سيطرة الدولة اللبنانية.
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
كأن الزمن يعود أكثر من نصف قرنٍ إلى الوراء، وتحديدًا إلى العام 1969، حين استُنبِط مصطلح “فتح لاند”، يوم استطاعت حركة “فتح” الفلسطينية أن تتخذ من جنوب لبنان منطلقًا لعملياتها ضد إسرائيل. ولم ينجح التوصل إلى “اتفاق القاهرة” بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، برعاية مصر، في ضبط العمليات وتنظيمها.
بعد أربعة وخمسين عامًا على “اتفاق القاهرة” وعلى “فتح لاند”، يعود جنوب لبنان “منصَّة صواريخ” ليس لحركة “فتح” بل لحركة “حماس”، وكأن الجنوب تحوَّل إلى “حماس لاند”، مع متغيِّرات جذرية طرأت على الواقع اللبناني والواقع الفلسطيني، مع ثابت وحيد وهو أن جنوب لبنان ما زال خارج سيطرة الدولة اللبنانية.
المتغيّر الأول أنّ الجنوب أصبح تحت سيطرة حزب الله، وكلّ كلام آخر ليس سوى ذرٍّ للرماد في العيون.
حزب الله يرصد كل شاردة وواردة من نهر الأولي مرورًا بنهر الليطاني وصولًا إلى الناقورة، لا يمكن تمرير قطعة سلاح حتى ولو كانت خفيفة من دون معرفته وموافقته، فكيف إذا كان الأمر يتعلَّق بصواريخ؟
في حادثة بلدة “شويا”، لو لم يعترض الأهالي على إطلاق الصواريخ من بلدتهم، لكانت عملية الإطلاق تمت، ولكانت سُجِّلَت ضد مجهول.
وكدليل حسي وموثَّق على سيطرة الحزب على الجنوب، حادثة العاقبية مع موكب من قوات الطوارئ الدولية والتي أدت إلى مقتل أحد جنودها، وفي المعلومات أن المتهم بإطلاق النار على الجندي الإيرلندي، ما أدى إلى مقتله، ما زال”متواريًا” وأنه يتمتع بحماية تتيح له عدم الوقوع في يد القضاء.
المتغيّر الثاني أنّ هناك ترسيم حدودٍ بين لبنان وإسرائيل، ما يتيح للبنان البدء بالتنقيب عن الغاز في بحره، كيف يمكن البدء بهذه العملية إذا كان الوضع في الجنوب غير مستقر؟ وأي شركة تجرؤ على المجيء إلى لبنان إذا كان غير قادرٍ على تقديم تعهدات وضمانات؟ بهذا المعنى فإن الصواريخ التي أطلِقَت، أصابت، معنويًا، حقول الغاز اللبنانية، قبل أن تتسبب بأضرار في الأمكنة التي سقطت فيها.
المتغيّر الثالث، أنّ لبنان في حال إفلاس، فكيف يمكن أن يخوض حربًا في وقتٍ ليس بإمكان المواطن أن يحصل على دواء، ووضع المستشفيات في حالٍ يرثى لها؟ في آخر ستينيات القرن الماضي، ومع انفلاش السلاح الفلسطيني والعمليات من جنوب لبنان، شهِد لبنان حالة “سخاء” تمثَّلت في تدفق الرساميل سواء للدولة أو لمنظمة التحرير، اليوم لا تدفق للرساميل بل إحجام عن إرسال أي دولار، باستثناء مساعدات نقدية للجيش اللبناني بالإضافة إلى مساعدات عينية، أما الأموال التي تأتي، فهي مخصصة للنازحين السوريين، ولا يستفيد لبنان منها بشيء. وحتى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي فإن فيه شروطاً “سياسية” أوّلها الاستقرار، قبل البحث في شروط السداد.
انطلاقًا من كل هذه المتغيِّرات، يبقى لبنان الحلقة الأضعف، في ظل جزر أمنية خارجة عن سيطرة السلطة اللبنانية، وإنْ تعددت التسميات بين “حماس لاند” أو “جزر أمنيَّة” أو “مربعات أمنيّة”، مع الخشية من أن تتحوَّل مخيمات النازحين السوريين إلى بؤر مسلحة، أليس هذا ما حصل بالنسبة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |