اللغز الحماسي – القاآني يعيد للبنان المآسي
قاآني Trail أو ممر قاآني هو الذي يحدد، (حتى إشعار آخر)، مهام حماس في لبنان، ويرسم لها نقاط العبور، ليس للدفاع عن المسجد الأقصى، بل للقيام بالمهام التي لم يعد يسمح لإيران القيام بها بموجب الإتفاق السعودي-الإيراني وضمانته الصينية.
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
من يتابع هرطقات المروجين لتخندق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وشريكتها حركة الجهاد الإسلامي في جنوب لبنان تحت عنوان “الدفاع عن المسجد الأقصى” لا يسعه إلا أن يسأل نفسه: “هل يعرف هؤلاء لماذا لم يخسر لبنان شبراً من أرضه في حرب العام 1967 فيما خسرت 3 دول عربية لإسرائيل في 6 أيام مساحات شاسعة مما كان لها أو تحت إدارتها قبل ذلك الخامس من حزيران”؟
مصر خسرت غزة الفلسطينية التي كانت تحت إدارتها وجزءاً من سيناء وصولاً إلى ضفة قناة السويس، والأردن خسر الضفة الغربية لنهر الأردن والقدس الشرقية التي كانت في عهدته وما زالت مؤسساتها الدينية المسلمة والمسيحية في أمانته وتحت رعايته.
سوريا خسرت جولانها الذي أعلن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد سقوط قنيطرته وهضبتها في بلاغ عسكري رقم 66 صدر عبر أثير إذاعة دمشق يوم السبت في 10 حزيران أي بعد خمسة أيام من بدء الحرب… ولم تدخل القوات الإسرائيلية القنيطرة إلا بعد 3 أيام من إذاعة البيان الشهير…
ومن يتابع تعهدات أمين عام حزب السلاح الفارسي بالدفاع عن “أي كان” في لبنان إذا تعرض لإعتداء إسرائيلي، لا يستطيع إلا أن يتساءل لماذا لم يدافع الحزب إياه عن مطارات سوريا ومحيط العتبات الشيعية المقدسة قرب دمشق التي لم توفرها ضربات إسرائيل الجوية على الرغم من أنه كان قد قال إن قواته إنتشرت في سوريا للدفاع عن العتبات المقدسة كي “لا تسبى زينب مرتين”…
ومن يتابع هلوسات مجددي النضال الخاسر عبر التبشير ببدء حقبة “حماس لاند” وريثة زمن الأراضي اللبنانية التي كان الإعلام الإسرائيلي والغربي قد أسماها “فتح لاند” وممر عرفات Arafat Trail لا يستطيع إلا أن يتذكر أن إتفاقية الهدنة اللبنانية الموقعة مع إسرائيل عام 1949 هي التي ساعدت رئيس الجمهورية شارل الحلو في العام 1967 على تفادي الدخول في حرب الأيام الستة ونجا من هزيمة لبنانية أكيدة أمام إسرائيل.
وبقي لبنان ناجياً من الهزيمة التي مني بها العرب حتى العام 1969 عندما توترت الأوضاع الداخلية بسبب الخلاف بين المسيحيين والمسلمين على نشاط الفدائيين من لبنان، فقد أراد المسلمون الإنضمام إلى النضال العربي المساند للثورة الفلسطينية ورفض المسيحيون أي وجود على الأرض اللبنانية لقوة مسلحة غير الجيش اللبناني.
واعتكف رئيس الحكومة المستقيلة رشيد كرامي عن ممارسة سلطاته، وأعلن الزعماء المسلمون في اجتماع عقدوه برئاسة المفتي الشيخ حسن خالد في تشرين الأول أنهم سيبقوا مقاطعين للمشاركة في السلطة “حتى تلغى التدابير التي تعيق حركة الفدائيين الفلسطينيين”.
قرر رئيس الجممهورية شارل حلو حل المعضلة بالإتفاق مع الفلسطينيين برعاية مصرية فأرسل وفداً إلى القاهرة ترأسه قائد الجيش العماد إميل بستاني وضم الأمين العام لوزارة الخارجية نجيب صدقة والرائد سامي الخطيب من الجيش اللبناني والسفير اللبناني لدى مصر حليم أبو عز الدين.
وقع الاتفاق العماد إميل البستاني وياسر عرفات في 3 تشرين الثاني 1969 بحضور وزير الخارجية المصرية محمود رياض ووزير الحربية المصري الفريق أول محمد فوزي.
يقال إن البستاني كان مدركاً خطورة الاتفاق على أمن وسيادة لبنان ولكنه كان يسعى ليفوز بالرئاسة وبالتالي عليه أن يحوز على ثقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
لكن عبد الناصر توفي فخسر البستاني رئاسة الجمهورية التي فاز بها سليمان فرنجية (الجد) في 17 آب 1970 بنصف صوت إذ حصل على 50 صوتاً من أصل 99 نائبا كان يتألف منهم البرلمان اللبناني.
وتضمن إتفاق القاهرة السري، أو ما كشف منه لاحقاً، “… التعاون الإيجابي لما فيه مصلحة لبنان والثورة الفلسطينية وذلك ضمن سيادة لبنان وسلامته، وإعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان بما يشمل حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطنيين المقيمين في لبنان حالياً ومنح الفدائيين نقاط عبور في جنوب لبنان لممارسة الكفاح المسلح ضد إسرائيل”.
وبالتالي فإن ممارسة الكفاح المسلح في زمن فتح لاند وممر عرفات كان مستنداً إلى اتفاقية القاهرة، فيما التبشير بحماس لاند لا يستند إلا إلى دعم من قوة إحتلال فارسية تخرق قراراً لمجلس الأمن الدولي لا يسمح بتواجد قوة مسلحة في منطقة عمليات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
ويتكرر السؤال: أين تقع حماس لاند هذه وأين ممر إسماعيل هنية Ismail Haniyeh Trail مثلاً، لا حصراً، ومتى بدأ تواجدها العسكري في لبنان؟
فعلياً لا وجود لحماس لاند أو لممر إسماعيل هنية، لأن الحركة بدأت بالتوافد إلى لبنان في العام 2020 بالتزامن مع إنتهاء حقبة ضيافة الأخوان المسلمين ومتفرعاتهم في تركيا وقطر الراغبتين في مصالحة العرب.
حزب السلاح الفارسي، المسيطر على جنوب لبنان وبيروت الغربية والبقاع، “إستضاف” حماس الموالية لإيرانه في مخيمات للاجئين الفلسطينين له نفوذ عليها بالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة التابعة للنظام السوري، فتواجدت حماس وشقيقتها الجهاد الإسلامي في مخيمات البص، شمالي مدينة صور، والبرج الشمالي، أيضاً شمالي صور، وبرج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية ومخيم الجليل في بعلبك المعروف رسمياً بمخيم ويفل…
كُشفت عورة حماس العسكرية للمرة الأولى في كانون الأول من العام 2021 نتيجة انفجار مستودع أسلحة للحركة في مخيم البرج الشمالي زعمت الحركة أنه حريق في خزانات المازوت العائدة لمولدات الكهرباء امتد إلى مستودع لعبوات الأوكسيجين لزوم المصابين بوباء كورونا.
ولا وجود دائم لعناصر حماس خارج أي من المخيمات الفلسطينية الأربعة، بل يتولى الحزب الذي يأويها نقل عناصرها وأسلحتهم ومستلزماتهم اللوجستية إلى حيث يتطلب منهم تنفيذ مهمة، ثم يتولى إعادتهم إلى المخيمات التي تستضيفهم.
وقد حاولت حماس تأسيس مركز عسكري لها في مخيم عين الحلوة في منطقة صيدا، إلا أن القوى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي لا تنطوي تحتها حماس، لا سيما حركة فتح، سمحت لها فقط بمكتب “إعلامي”.
ويتحدث سكان عين الحلوة لزائريهم عن “ثروة ونعمة هبطت على حماس، فهي توزع مساعدت غذائية بسخاء غير مسبوق إضافة إلى مساعدات مالية داخل المخيم” الذي يعتبر عاصمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حيث يستضيف 85 ألف شخص في مساحته البالغة كيلومتراً واحداً والتي يسيطر الجيش اللبناني على جميع مداخلها.
قال لي أبو زهير إن حماس “توزّع مساعدات بالهبل، يعني بدل الكرتونة بيعطوا الناس كرتونتين (إعاشة) وكمان بيوزعوا فلوس، منين هبطت عليهم النعمة، الله أعلم”.
“إنت عارف وضع الناس واحتياجاتهم نظراً للظروف، يعني طعميني ولبسني وبعدين يصير خير”، أضاف أبو زهير الذي يسكن عين الحلوة ويعمل في مطعم بمدينة صيدا.
ورداً على سؤال عما يمكن أن يصيب المخيم إذا أصابت صواريخ حماس من جنوب لبنان مستوطنة إسرائيلية، قال أبو زهير: “لا تشغل بالك، هني بيعرفوا مليح كيف ما يصيبوا إشي”.
ويبقى السؤال: من يغطي وجود حماس المسلّح في لبنان بعدما ألغى مجلس النواب اللبناني في 15 حزيران 1987 بمادة وحيدة إتفاق القاهرة وفق النص التالي: “الاتفاق الموقع بتاريخ 3 تشرين الثاني 1969 بين رئيس الوفد اللبناني العماد إميل بستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية والمعروف باتفاق القاهرة لاغياً وكأنه لم يكن وساقطاً. كما تعتبر جميع الاتفاقات والملاحق المرتبطة باتفاق القاهرة والإجراءات المتعلقة فيه لاغية وكأنها لم تكن وساقطة”.
وحمل الإلغاء توقيع رئيس الجمهورية أمين الجميل ورئيس الحكومة سليم الحص.
ونعود إلى السؤال: إذا كان الوجود الفلسطيني المسلّح قد حظي بتغطية إتفاق القاهرة، الذي لم يعد موجوداً “وكأنه لم يكن”، فبأي تغطية تتمتع حماس غير تغطية حزب السلاح الفارسي التي تخرق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الموافق عليه من دون تحفظ من قبل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي؟
بل هل هناك أي تغطية للبنان بوجود حماس المسلّحة على أرضه ما يخرق بوضوح القرار الأممي 1701؟
ماذا سيقول لبنان للمجتمع الدولي إذا ضربت صواريخ أطلقت من أرضه مستوطنة إسرائيلية؟
الحقيقية العارية هي أنه لا دور فعلي في لبنان حتى لحماس لاند أو هنية Trail.
الوجود الحقيقي في لبنان لصاحب القرار وصانع الدور العميد الإيراني إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس وريث قاسم سليماني منذ قتله في العراق بغارة جوية أميركية في كانون الثاني 2020.
قاآني Trail أو ممر قاآني هو الذي يحدد، (حتى إشعار آخر)، مهام حماس في لبنان، ويرسم لها نقاط العبور، ليس للدفاع عن المسجد الأقصى، بل للقيام بالمهام التي لم يعد يسمح لإيران القيام بها بموجب الإتفاق السعودي-الإيراني وضمانته الصينية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |