خطوة واحدة تفصل لبنان عن استحقاق لقب “الدولة الفاشلة”
كتب نيكولا صبيح في “Ici Beyrouth“:
كثيراً ما تتردد على مسامعنا كلمات المعلقين المصريين بأن لبنان بات أو يكاد أن يتحول إلى “دولة فاشلة”. وكثيراً ما تتنوع ردود الفعل بين الممتعض والمعترض أو حتى المبتعد عن هذا التوصيف.
ولكن أحداً لم يغص في عمق هذا التشبيه، ففي الحقيقة أن عبارة “فاشلة” ليست مجرد صفة تلوح بها وتلصقها بدولة ما بكل بساطة، كما لو أنك تصف على سبيل المثال، وزيراً ما بالحماقة. كلا! الموضوع مختلف تماماً، ففي المثال الأخير، يترجم هذا النعت ببعض الإهانة غير الموثقة والتي لا يتوقف أحد عندها، حتى ولو كان لا بد من ذلك.
أما عبارة “الدولة الفاشلة” فأمر مختلف كلياً واستخدامها مرتبط بمعايير محددة بعناية، لا بل حتى بترتيب عالمي.. إنها كناية عن لقب يكتسب عن جدارة! والدولة التي تستحق أن تنعت بالفاشلة لا بد وأن تبذل جهداً للامتثال لمعايير هذا الفشل والأمر ليس بهذه السهولة!
يقودنا ذلك للمعايير الـ 12 لهذا التصنيف (وفقاً لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية (Foreign Policy ) وصندوق السلام)، وهي كالتالي:
1.الضغط الديموغرافي: الكثافة السكانية العالية وصعوبة تأمين الغذاء والمشاكل التي تتعلق بالحدود وبالملكية أو باحتلال الأراضي.
2.تدفقات اللاجئين الهائلة، والتي تتسبب بنقص في الغذاء وبانتشار الأمراض وبشح في مياه الشرب، عدا عن المشاكل الأمنية.
3.العنف الطائفي: ويتضمن هذا المؤشر الجرائم المرتكبة ضد الطوائف أو الجماعات، والتي تبقى دون حساب. ويشمل ذلك أيضاً إضفاء الطابع المؤسسي على الإقصاء السياسي، واتهام مجموعات باحتكار الثروة والسلطة.
4.موجات الهجرة المتكررة، بما في ذلك هجرة الأدمغة أو مكونات الطبقة الوسطى.
5.التفاوت في درجات التنمية: ينطبق ذلك على مجالات التعليم وتوزيع الثروة والوظائف.
6.التدهور الاقتصادي الذي ينعكس على متوسط الدخل الفردي والناتج المحلي الإجمالي ومستوى الفقر. ويتمثل بالانخفاض السريع في الدخل والاستثمار وسداد الديون ونمو القطاعات غير الرسمية وعجز الدولة عن تسديد ودفع الرواتب والمعاشات التقاعدية.
7.تجريم الدولة ونزع شرعيتها: ويقصد به الفساد المستشري والنهب المؤسسي والتصدي لممارسات الحكم الرشيد.
8.تدهور الخدمات العامة مثل الشرطة والعدالة والتعليم والصحة والنقل.
9.إنتهاك حقوق الإنسان: بروز سلطة استبدادية تعطل المؤسسات الديمقراطية والدستورية.
10.قيام جهاز أمني بتشكيل دويلة داخل الدولة: هذا يعني الحرس الإمبراطوري الذي يفلت من العقاب، أو الميليشيات المسلحة غير النظامية.
11. بروز الفصائل: التفكك داخل السلطة على خلفية الإنقسام الطائفي.
12.تدخل القوى الخارجية: إنخراط جيوش أو دول أو كيانات أجنبية داخل الدولة، أو الإفراط في الاعتماد على المساعدات الخارجية أو على بعثات حفظ السلام.
يخيّل للمرء عند قراءة هذه الشروط أن “فورين بوليسي” تتكلم في الواقع عن لبنان. ونكاد نتوقع ورود إسم نبيه بري أو حسن نصر الله في آخر المقتطف. ولكن إذا أمعنا القراءة، سنجد أن الشروط تنطبق على الجميع بدرجات متفاوتة: معظم المسؤولين الذين يتقاسمون أو تقاسموا في وقت من الأوقات، جبنة السلطة.
ومع ذلك، وللمفارقة، لا يزال الطريق طويلاً أمام استحقاق اللقب. وعلى الرغم من كل جهودنا السابقة، لا نزال في المركز 27 فقط من بين 179 دولة مصنفة في العام 2022 (المرتبة الأولى مخصصة للأكثر فشلاً). وفي التفاصيل، تعيش البلدان التي تسبقنا في الترتيب، بالجزء الأكبر، حالة من النزاع المسلح المفتوح أو الهامد، مثل سوريا والسودان والصومال وأفغانستان واليمن وإريتريا وليبيا. أما البعض الآخر فمن البلدان المعروفة تقليدياً بصفتها الأفقر على هذا الكوكب (مثل أوغندا وغينيا وهايتي وبوروندي، إلخ)، وهي الدول التي تعجز بالتالي عن تأمين القوت لشعوبها.
لا بد من الاعتراف بأن القلب يعتصر ألماً عند ذكر لبنان، ذلك البلد الذي يمتلك كل ما يسمح له بالازدهار، ضمن مجموعة الدول الأكثر فشلاً. وتضاف جرعة من الخيبة إلى هذا الألم إذا ما لاحظنا أن لبنان كان مصنفاً بالفعل في العام 2018، أي قبل الأزمة، في المرتبة 44.
ويبقى أن نذكّر بأن هذا اللقب الذي يستحق بشكل مؤلم بعد سنوات من الجهد، ليس مجرد شهادة مارقة.. فالأخطر منه هي تبعاته وعواقبه التي تنعكس بشكل مدمر على الاستثمار والازدهار وعلى نوعية الحياة فيه، بحيث يعلق في دوامة لا متناهية من البؤس أو من الاستنزاف بفعل الهجرة والهرب منه.
ولكن حرصاً على ألا نختم بهذه النظرة السوداوية، نذكّر بأن هذه القراءة تمنحنا على الأقل، فكرة واضحة عما يجدر فعله للخروج من هذا المأزق: 12 نقطة يمكن أن تشكل خارطة طريق.. نسترشد بها لمحاسبة أي فعل أو تقاعس من أي مسؤول في ضوء هذه المعايير نفسها: من الذي يحاول إيجاد الحلول؟ ومن يبذل قصارى جهده لدقّ إسفين آخر في النعش؟ من الذي لا يوفر جهداً ليبتكر المخارج ومن الذي يكتفي بالوقوف متفرجاً وبالتموضع من وقت لآخر للتذمر أمام الكاميرا؟