دستور لبنان “كلٌّ يغنّي على اجتهاده”… والحجة في “مواد ملتبسة”!
عديدة هي المواد في الدستور اللبناني التي أثار تطبيقها، وما يزال، جدلاً طويلاً لا ينتهي بين الأفرقاء اللبنانيين ويزداد حدة كلما نشب صراع بينها حول توزيع الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية.
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
“من باب المسؤولية لمنع الفراغ” نجح مجلس النواب في توفير النصاب القانوني للالتئام والتصويت على التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، أما الفراغ الرئاسي فمستمر والنصاب “محجوب” عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
وفيما يؤخذ على “التيار الوطني الحر” الذي أكمل النصاب القانوني و”الميثاقي” لجلسة البلديات، ازدواجية المعايير في الموقف من العمل التشريعي للبرلمان في ظل الفراغ الرئاسي وفي تفسيره لتشريع الضرورة، عززت الجلسة التشريعية مقولة أن الدستور في لبنان “وجهة نظر” وتحولت إلى بازار سياسي حيث كل فريق عمل على تسجيل نقاط على الآخر.
عديدة هي المواد في الدستور اللبناني التي أثار تطبيقها، وما يزال، جدلاً طويلاً لا ينتهي بين الأفرقاء اللبنانيين ويزداد حدة كلما نشب صراع بينها حول توزيع الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية. وتتباين وجهات النظر حول تفسير هذه المواد التي تجيز لكل فريق استخدامها وفقاً لأجنداته السياسية الشخصية ووفقا لأهوائه. ما أدى في كثير من الأحيان إلى شلل في مؤسسات الدولة.
وإحدى هذه الثغرات غياب الأطر الزمنية لتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية. ما استدعى غالباً وبعد إخفاق في إتمام الاستحقاقات الدستورية لتدخل الخارج من أجل التوصل إلى الحل.
إشكاليات دستورية عديدة برزت في الفترة الأخيرة أدت إلى احتدام النقاش بين الأفرقاء السياسيين من دون إيجاد الأجوبة عليها وكل فريق يتمسك برأيه محصناً باجتهادات قانونية توافق آراءه. ومن هذه الإشكاليات:
هل يجوز التشريع في ظل الشغور في سدة الرئاسة؟ هل يجوز التشريع في ظل حكومة مستقيلة؟ هل تتولى حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور في سدة الرئاسة؟ ماذا لو لم يتفق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على التشكيلة الوزارية وانقضت مدة طويلة ولم يعتذر رئيس الحكومة المكلف، فهل يمكن سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف ومِن قِبَل مَن؟ أرئيس الجمهورية أو مجلس النواب؟ وبموجب أي صيغة وأي طريقة؟
في حال لم يوقع رئيس الحكومة أو الوزير مرسوماً متخذاً في مجلس الوزراء ما العمل؟
ما هو النصاب الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية؟ وماذا لو لم يتوافر النصاب وانقضت مدة طويلة دون تمكن البرلمان من انتخاب الرئيس ما هو الحل؟ وهل من حل أساساً؟
هو الجدل العقيم نفسه حول الدستور وتفسير مواده. وفي كل استحقاق ينقسم النواب في تفسير نصوص من المفترض ألا تحمل أي تأويل. فهل الالتباس في بعض مواد الدستور اللبناني مقصود؟
أسباب عديدة تجعل من بعض نصوص الدستور ملتبسة ومسار إشكال بين القوى السياسية في لبنان وفق ما أكده المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين لموقع “هنا لبنان”:
أوّلاً- الدستور قام على منطق التسوية وتدوير الزوايا التي تجلت في وثيقة الوفاق الوطني أي اتفاق الطائف بخلفية السعي إلى تقريب وجهات النظر وتحاشي التصادم بين القوى خوفاً من تعطل الإتفاق وفشل مؤتمر الطائف.
ثانياً- إن التركيبة المجتمعية الطوائفية في لبنان تفرض نوعاً من الديمقراطية التشاركية أو التوافقية ولكن لم يسعَ المشترع الدستوري إلى تنظيم كافٍ للديمقراطية التشاركية بحيث تحول النظام إلى نظام تشابك بدلاً من أن يكون نظام تشارك بسبب غياب الآليات والمخارج والمهل الكافية.
ثالثاً- عندما وضعت التعديلات الدستورية لم يتم خلق مرجعية دستورية داخلية قادرة على حسم الخلافات وفك الاشتباك عندما يقع بين المؤسسات الدستورية وكأن الإتفاق وضع بخلفية أن الوصاية الخارجية باقية على لبنان.
رابعاً- لم يُمنح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور في التعديلات الدستورية التي أقرت في القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21 أيلول 1990 على رغم أن اتفاق الطائف كان أوصى بوثيقته أن يُمنح المجلس الدستوري تفسير الدستور إلى جانب مراقبة دستورية القوانين والبت بالطعون الانتخابية الرئاسية والنيابية. ولذلك نجد أنفسنا في كل مرة أمام إشكالات دستورية ومنازعات دستورية.
وعن إمكان مجلس النواب تفسير الدستور، شدد يمين على أنه في ظل تغييب المجلس الدستوري عن عملية تفسير الدستور إلا في معرض النظر والبت في مراجعة طعن بأحد القوانين، فإن عملية تفسير الدستور بصورة مستقلة لا يمكن أن تتم إلا بموجب قانون دستوري ووفقاً للآليات والأغلبيات المطلوبة لتعديل الدستور لأن تفسير الدستور يوازي تعديله. وبالتالي لا يستطيع مجلس النواب احتكار تفسير الدستور وإقرار التفسير بموجب قانون عادي بل لا بد من أن يتم بموجب قانون دستوري تتشارك في إقراره رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء بأغلبية الثلثين ومجلس النواب بأغلبية الثلثين.
وعن تنوع الآراء والاجتهادات أكد يمين أنه طالما لا يوجد نص صريح فإن الإجتهاد مبرر ولكلّ اجتهاده.
لقد أظهرت الأزمات السياسية المتكررة التي شهدها لبنان ولا يزال والمتصلة في جوانب عديدة بتفسير الدستور والاختلاف حوله، وجود مشكلة تستدعي البحث عن مرجعية حقيقية لحسم الخلافات بين أفرقاء ينطلقون من أهوائهم لتفسير الدستور والقوانين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |