شروط صندوق النقد الدولي غير قابلة للتحقيق: المشكلة بنوعيّة الديون وإعادة هيكلة المصارف ليست الحلّ
استسهل صندوق النقد الدولي الحلّ، فطرح تصغير حجم الدين العام والاقتصاد وإقفال القطاع المصرفي في محاولة لإعادة بناء الاقتصاد والقطاع المصرفي وبناء نموذج إقتصادي جديد، ولكن نسي أنه بمقاربته المطروحة لن يصل إلى الأرقام التي يطمح إليها، لأنّ الودائع والدين العام بالدولار أضخم بنسبة 200 % من حجم الاقتصاد اللبناني، ما يعني أنّ خطّة الصندوق تبدو فاشلة قبل أن تبدأ.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
بعد مرور الذكرى السنوية الأولى لتوقيع لبنان الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، أسئلة عديدة تطرح حول مدى واقعيّة الشروط التي يفرضها الصندوق على لبنان، وإمكانيّة هذا الأخير تطبيقها، خصوصاً في ما خصّ الشقّ المتعلّق بتحميل القطاع المصرفي في لبنان الجزء الأكبر من الخسائر. فما هي إعادة هيكلة المصارف؟ وكيف يمكن تطبيقها؟ وما الحلول البديلة؟
ما هي إعادة الهيكلة؟
هي عمليّة مصرفيّة تهدف إلى تقليص عدد المصارف في بلد ما. وهي من المطالب الرئيسيّة الذي يدفع باتجاهها صندوق النقد الدولي، كشرط أساسي لمساعدة لبنان. وتتمّ عمليّة إعادة الهيكلة من خلال درس لجنة إعادة هيكلة المصارف ومن ثمّ مصرف لبنان، لحالة كل مصرف من المصارف اللبنانيّة على حدة وتحديد حجم أمواله الخاصة ومدى قدرته على الاستمرار، وذلك من خلال لجنة مشتركة بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة والدائرة القانونية ودائرة الامتثال، على أن تُحال الملفات إلى المجلس المركزي للبت بضرورة إحالتها إلى الهيئة المصرفية العليا، وبالتالي إلى دمجها أو تصفيتها أو تعيين مدير مؤقت لها.
كم يبلغ حجم الودائع؟
في هذا الإطار يقول الخبير المالي بهيج الخطيب أنّه “في ما خصّ الودائع، فقد تراجعت هذه الأخيرة من 177 مليار دولار (عشيّة أزمة تشرين 2019) إلى حدود الـ 90 مليار دولار بحسب تقديرات مصرف لبنان. وأسباب هذا التراجع الكبير تعود إلى تسديد الديون بالودائع، بيع أصول مملوكة من مطوّرين عقاريّين مقابل ودائع على جانب الدائن، (مطوّر عقاري مديون للمصرف يبيع شقّة ويقفل دينه من وديعة شخص آخر)، إلى جانب الـhair cut المقنّع الذي مورس على المودعين منذ 3 سنوات ونصف والذي بدأ من 3900 ليرة ووصل إلى 15 ألف ليرة للدولار الواحد. كلّها أسباب أدّت إلى تراجع الودائع لما وصلت إليه اليوم”.
خطّة صندوق النقد فاشلة قبل أن تبدأ
وعن مصير ما تبقّى من الودائع يجيب الخطيب “علينا العودة إلى شروط صندوق النقد الدولي للتعافي وتقديم الدعم، وأبرزها شطب 73 مليار دولار من الودائع والتي هي بالواقع دين على الدولة. ولماذا هذا الرقم بالذات؟ لا أحد يعلم. قد يكون السبب استناد كلّ من حكومتي حسّان دياب ونجيب ميقاتي على خطّة لازار، ولا مبرّر علمي لهذا الرقم، إنما هناك مبرر حسابي وهو أنّ المودعين وضعوا أموالهم في البنوك، والمصارف وضعت هذه الأموال ما بين الدولة والمصرف المركزي. (ربع هذه الأموال للدولة و3/4 لمصرف لبنان)، وقامت الدولة باستدانة هذه الأموال من مصرف لبنان فأصبحت بالتالي مديونة للمودعين والمصارف والمصرف المركزي بما مجموعه 100 مليار دولار. 60 مليار منها بالليرة اللبنانية و40 مليار بالدولار. الـ 60 مليار أصبحت 600 مليون فيما الـ40 مليار لا تزال صامدة. وهذه الدولة المدينة، وخارجاً عن إطار المنطق والقوانين والأعراف والدستور، ذهبت إلى الدائنين في الخارج وقالت لهم “إنسوا الدين” من دون أيّ مسوّغ قانوني. وهذا هو الخطر الكبير”.
وبالتالي استسهل صندوق النقد الدولي الحلّ، يتابع الخطيب، “فطرح تصغير حجم الدين العام، والاقتصاد، وإقفال القطاع المصرفي، في محاولة لإعادة بناء الاقتصاد والقطاع المصرفي وبناء نموذج إقتصادي جديد على أساس الواقع الجديد الذي سينطلق منه لبنان وهو حجم إقتصاد لا يتخطى الـ20 مليار دولار. إلّا أنّ الصندوق نسي أنه وحتى بهذه المقاربة لن يصل إلى الأرقام التي يطمح إليها. لأنّ الودائع بالدولار لا تزال فوق الـ90 مليار دولار، فيما حجم الدين العام بالدولار فوق الـ40 مليار دولار أي أضخم بنسبة 200 % من حجم الاقتصاد اللبناني. وبالتالي لا نكون قد صغّرنا حجم الودائع مقابل الاقتصاد ولا الدين مقابل الاقتصاد، ما يعني أنّ خطّة صندوق النقد الدولي فاشلة قبل أن تبدأ”.
المشكلة بنوعيّة الديون وليست بحجم الدائنين
وعن إعادة هيكلة القطاع المصرفي يقول “لا أفهم كيف يتحدّث الخبراء الاقتصاديّون والمصرفيون عن إعادة الدمج والهيكلة والتصفية والـbad banks والـ good banks في الوقت الذي يتمّ فيه التشخيص بطريقة خاطئة. فالمشكلة بنوعيّة الديون وليست بحجم الدائنين. فهؤلاء ديّنوا الدولة 100 مليار دولار بغضّ النظر عن عددهم. ما يعني أنّ نوعيّة الديون الفاسدة هي المشكلة وليس عدد المصارف الدائنة. والمطلوب أن تبدأ الدولة بوضع خطّة إصلاحيّة وموازنة تحقّق فائضاً يسمح بإعادة جدولة الدين العام وإعادة هيكلته مع فترات سماح مع تصفير فوائد على الجانبين، جانب الدائن والمدين، وعندها يمكن إعادة الانتعاش والتعافي للاقتصاد وضخّ الدم في شرايين القطاع المصرفي، فيعود ويمارس دوره في خدمة الاقتصاد مثل أيّ قطاع مصرفي في العالم”.
واعتبر الخطيب أنّ “شروط صندوق النقد الدولي غير قابلة للتحقيق ولا يمكن تطبيقها على لبنان. وهي قد سبق وفشلت في أكثر من دولة حول العالم. فالودائع والالتزامات لا يمكن أن تتحوّل إلى خسائر. فما من منطق قانوني أو محاسبي أو عرف يسمح بتحويل الالتزامات أو اعتبارها خسائر. ما يعني أنّ الودائع لا يجوز اعتبارها خسائر والدعوة إلى شطبها، فهذه خطوة خاطئة في كلّ المعايير”.
ما بديل إعادة هيكلة المصارف؟
وعن البديل رأى أنّه “بخطّة تعافٍ تبدأ من رئيس جمهوريّة نظيف خارج عن المنظومة الفاسدة ورئيس مجلس وزراء أيضاً نظيف الكفّ ومن خارج المنظومة، يترأس حكومة تمنح صلاحيّة إصدار المراسيم الاشتراعيّة في الخطّة الإصلاحيّة الاقتصاديّة وتحميها من الخضوع لهيمنة مجلس النواب الذي يفرّغ جميع المشاريع من مضمونها على غرار مشروع الكابيتال كونترول والسريّة المصرفيّة، وتبدأ بخطّة الإصلاح لتنشيط الوضع الاقتصادي. وفي هذا الاتجاه يتبيّن أيّ المصارف غير قادرة على الاستمرار فيضع مصرف لبنان يده عليها ويصفّيها أمّا المصارف التي تستطيع الاستمرار، فتمنح فترة لإعادة الرسملة بأموال “فريش” من الخارج أو بشركاء ومساهمين جدد يملكون أموالاً بالفريش دولار”.