عودة الأسد وليست سوريا إلى الجامعة العربية: يومٌ حزين
مع استعادة الديكتاتور الأسدي مقعده في جامعة الأنظمة العربية، يجب اعتبار المناسبة يوماً حزيناً للشعوب العربية عموماً ولبنان خصوصاً.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
عاد رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية أم لم يعد، ليست هي المسألة. إنّما المسألة، هي عودة سوريا ومن يمثّلها إلى المجموعة العربية. كلّ الذرائع التي قدّمت لإسقاط صدام حسين كحاكم للعراق عام 2003، هناك مثلها وأكثر لكي يتم إسقاط نظيره في البعث والطغيان في دمشق. لكنّ سياسة الكيل بمكيالين التي عتمدها الإمبراطور الأميركي سواء أكان ديموقراطياً على شاكلة باراك أوباما، أم جمهورياً على شاكلة جورج بوش الابن، أوصلت صدام إلى حبل المشنقة، فيما أبقت عنق بشار سالماً.
الطريقة التي يتمّ بها التعامل مع رئيس النظام السوري، تفيد بأنّ الجامعة التي أبصرت النور عام 1945، وكان لبنان من بين القلّة التي أسّستها، هي جامعة الأنظمة والحكام وليست جامعة الشعوب التي يجري الادّعاء أنّها كذلك. تماماً كما هي الأمم المتحدة التي بدأت كما قيل كعصبة للأمم بعد الحرب العالمية الأولى، قبل أن يصبح اسمها كما هو حالياً بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الأخيرة، أي الأمم المتحدة، تمتلك العضوية كلّ الدول سواء أكانت ديموقراطية أم ديكتاتورية. وعلى هذا، يصبح الديكتاتور الروسي فلاديمير بوتين الذي صار ملطّخاً من قمة رأسه إلى أسفل قدميه بدماء الأوكرانيين، نظيراً للرئيس الأميركي جوزف بايدن الذي وصل إلى البيت بأصوات الناخبين الأميركيين.
ماذا عن لبنان الذي اندفع حالياً من خلال وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب كي يستعيد النظام السوري مقعده في الجامعة بالقاهرة؟ بالتأكيد ليست السلطات القائمة في لبنان، ممثّلة حقيقية للشعب اللبناني بكل أطيافه. ولو كانت كذلك، لكنّا رأينا الوزير بوحبيب يعتلي المنبر في اجتماع وزراء الخارجية بالأمس ليعلن باسم لبنان أنّ بلده متحفّظ إن لم يقل أنّه رافضٌ لعودة نظام الأسد إلى المجموعة العربية، إذا لم يشرع فوراً بإعادة المليوني نازح من لبنان إلى سوريا، كما يشرع بإعلان عزمه على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع لبنان، كما فعلت إسرائيل على الأقل بالحدود البحرية مع لبنان. وإذا لم يتعهّد الأسد أيضاً بإقفال ملف المسجونين والمفقودين اللبنانيين في سوريا بما يعيدهم إلى الحرية أو يعلن تحمل المسؤولية عن قتلهم وإختفائهم بعدما وقعوا في قبضة النظام الظالم، كما وقع نظراؤهم السوريون في أقبية الأسد ما أودى بحياة مئات الألوف منهم كما وثقتها التقارير منذ عام 2011 تاريخ إندلاع الثورة السورية. وأخيراً، وليس آخراً، يتعهّد الأسد بإحترام سيادة لبنان وإستقلاله فلا يجعل الأراضي السورية المجاورة للبنان ممراً للنفوذ الإيراني إلى لبنان. كما يمنع المليشيات التابعة لطهران، “حزب الله”، من حرية الحركة من لبنان إلى سوريا والعكس بالعكس، ما جعل هذه الميليشيا الرئة التي تتنفس من خلالها إيران هيمنة على لبنان، كما هو الحال في الأراضي السورية المجاورة للبنان كالقصير، والتي صارت مستعمرة إيرانية يمارس فيها الإيرانيون وأتباعهم كل أنواع السيطرة والأعمال غير المشروعة وحرمان مئات الألوف من السوريين الذين أجبروا عن النزوح من ديارهم التي يستعمرها “حزب الله” حالياً من العودة إلى ديارهم بدلاً من التكدّس في المخيمات بلبنان، وبلدة عرسال نموذج لنتائج سيطرة الحزب على القصير.
نقرأ في وثائق قيام لبنان المستقبل، إنّ الآباء المؤسسين للكيان اتفقوا على ألّا يكون لبنان ممرّاً أو مستقراً. وكانوا يعنون بذلك تخلّي المسلمين في هذا البلد عن تطلعهم للاتحاد مع جوارهم العربي. كما عنوا أن يتخلى المسيحيون عن تمسكهم بالانتداب الفرنسي. مع الفارق الهائل بين الجوار العربي عام 1943 وبين الجوار المحكوم اليوم بجور نظام الأسد، وكذلك الفرق الهائل بين الانتداب الفرنسي وبين الهيمنة الإيرانية، أفلا يجدر بأحفاد الآباء المؤسسين أن يمتلكوا شيئاً من الجرأة بالتعامل مع أسوأ الأنظمة في العالم؟
على من تقرأ مزاميرك يا داود، عندما تخاطب أشباه سلطة في لبنان، بينما هي ليست سلطة بالمعنى الوطني. وكلّ الذرائع التي يتفنن التابعون للنظامين البعثي والملالي باستخدامها، فهي لكي لا يضعوا مصلحة لبنان أولاً، وإنّما ليضعوا مصلحة الأسد والمرشد الإيراني أولاً. وهذا ما يطرح على السياديين في هذا البلد مهمّة حققت استقلال لبنان قبل نحو ثمانين عاماً.
يعود الأسد إلى الجامعة العربية، أم لا يعود ليست هي المسألة. وإنّما المسألة أن تعود الشعوب العربية وفي مقدمها الشعب في سوريا والشعب في لبنان إلى العيش في دول مستقلّة بكل ما في كلمة “مستقلة” من معنى. وللمفارقة، وبحسب المعلومات أنّ الأسد أبلغ حلفاءه في لبنان وطهران أنّه غير مستعجل للعودة إلى الجامعة العربية إذا كان من شروط العودة عودة ملايين النازحين السوريين إلى ديارهم. ألا يجدر باللبنانيين وطليعتهم السيادية أن تنبري للتعامل مع نظام الأسد كنظام معادٍ طالما أنّ مصالح لبنان مسلوبة بسببه؟
مع استعادة الديكتاتور الأسدي مقعده في جامعة الأنظمة العربية، يجب اعتبار المناسبة يوماً حزيناً للشعوب العربية عموماً ولبنان خصوصاً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
فخامة بري ودولة “الحزب” | تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران |