الدولار الجمركي: مشروع لضرب القطاع الصناعي؟
بين ليلة وضحاها قفز الدولار الجمركي بمعدل 600% ضارباً كل طموحات نموّ القطاع الصناعي الذي حاول الحفاظ على استمراريته رغم الأزمة.
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
على مدار سنوات الأزمة الاقتصادية حاول القطاع الصناعي الحفاظ على استمراريته في بلد تلفّه الفوضى، ولكنّه اصطدم مؤخراً ببدعة الدولار الجمركي الذي قفز بين ليلة وضحاها بمعدل 600% ضارباً كل طموحات نموّ القطاع وتنميته. ذلك الارتفاع في الضرائب من تسعير الدولار الجمركي إلى تسعير الضريبة على القيمة المضافة وفقاً لسعر منصة صيرفة بذريعة تأمين موارد مالية لخزينة الدولة لتغطية الزيادات التي أقرت للعمال وموظفي القطاع العام لم تترافق مع أي إصلاحات مالية أو خطة نهوض اقتصادية شاملة وسط ضغط عام على مستوى الأسعار في المستقبل القريب.
فكيف سيؤثر الدولار الجمركي على القطاع الصناعي وهل هو فعلاً مشروع لضرب القطاع؟
جمعية الصناعيين
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش يؤكد لـ “هنا لبنان” أن “تغيير الدولار الجمركي لم يحصل في أي بلد غير لبنان، وهو محدد إما على سعر الصرف الرسمي أو السعر الموازي”.
ويضيف: “بالمبدأ والمنطق نحن مع تطبيق سعر الدولار الموازي لحماية الصناعة اللبنانية وزيادة مدخول الدولة لكن ضمن شروط أساسية وضرورية ولكن للأسف لم ولن تطبق معظمها”.
ومن بين هذه الشروط يلفت إلى ضرورة “إعفاء الضريبة على كل المواد الأولية والوسطية للصناعة، وقف التهريب من المرافئ الشرعية قبل المرافئ غير الشرعية، إعفاء جميع المواد الغذائية الأساسية والتي لا تصنع في لبنان من الضرائب، إعفاء السيارات التي يقل ثمنها عن 15000$ من الضرائب في ظل غياب أي خطة للمواصلات”.
ويلفت بكداش إلى “المشكلة الأكبر التي يسببها الدولار الجمركي وتكمن في تعديل الضريبة على القيمة المضافة حيث يكون الفرق كبيراً بين التاجر والصناعي الشرعي وغير الشرعي، وهنا يكبر الاقتصاد الموازي على ظهر الاقتصاد الشرعي”.
ويأسف لكون الضرائب على القطاع الخاص الشرعي تمول معاشات موظفي القطاع العام غير المنتج وتدفع حصة الضرائب غير المدفوعة من قبل الاقتصاد غير الشرعي، قائلاً: “يبتكرون مصطلحات ومراسيم لمعالجة السبب وليس المسبب، لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية بالمفرق والترقيع فهذا يضر أكثر مما ينفع”.
ويتوجه بكداش بسؤال للمعنيين: “أما حان الوقت لإنشاء خلية طوارئ اقتصادية مؤلفة من الدولة والقطاع الخاص أسوة بالبلدان المتعثرة؟
وجهة نظر اقتصادية
يحمّل الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري السياسات الحكومية مسؤولية تدمير مستقبل شعب بكامله بعد ثلاث سنوات ونصف على الانهيار الذي بدأ أواخر العام 2019 قائلاً: “ها نحن نقف أمام نفس المشهد الكئيب، حيث نفس الشخصيات والسياسات والمقاربات والاستهتار بالنظر إلى المصلحة الوطنية العامة عند تعيين السياسات الحكومية أكانت ضرائبية أو غيرها والتي أوصلتنا تدريجياً بعد الحرب إلى طرد القطاع الخاص من الاقتصاد لمصلحة اقتصاد الفوائد والريع العقاري، وعندما نتحدث عن الريوع نقصد تجيير الاقتصاد بكامله في مصلحة تمويل الدولة من خلال الودائع وسندات الخزينة، والعائد على هذا التمويل كان مرتفعاً إلى درجة حرمان القطاع الخاص من الأفضليات التي يعمل بها أي قطاع خاص في أي بلد وبالذات ما يعرف بالقطاعات المنتجة”.
ويضيف الخوري: “بعد الانهيار شعر القطاع الصناعي المنكوب أصلاً أن فرصته قد لاحت بسبب غلاء المستوردات وبسبب أمرين آخرين كان لهما الأثر الأساسي في مسار وهن القطاع هما: انخفاض العبء الضريبي وكذلك عبء الفوائد المصرفية، لتعود الدولة وتطل برأسها من جديد فارضة زيادة الدولار الجمركي بمعدل وصل إلى 600%”.
قد يبدو قرار رفع كلفة الرسم الجمركي مناسباً في ظاهره للصناعة اللبنانية ولكن لكل شيء وجهان في لبنان. ففي بلد يغزوه التهريب والجريمة المنظمة والفساد لا يمكن لأي قرار إلا أن يكون في مصلحة هذه العناصر الثلاثة.
وهنا يقول الخوري: “لا شيء أخطر من التهريب على الصناعة الوطنية والتي تحتاج إلى الحماية وذلك من خلال إجراءات مكافحة صارمة للتهريب. ولكن أين نحن من كل ذلك؟ لبنان في كوكب آخر حيث المطلوب من الدولار الجمركي تعظيم واردات الحكومة بغض النظر عن أثره على الصناعة الوطنية وعلى الاقتصاد”.
ويختم الخوري: “في بلد فاقد للرؤية الاقتصادية ولنية بنائها تأتي السياسات المالية الحكومية لتؤذي التجار والمستهلكين دون أن تفيد الصناعيين، حيث تتورط السلطة السياسية مع مجموعات التهريب والفساد إلى درجة الاندماج، ما يعني أن أي إجراء سيتخذ لن يكون إلا لمصلحة الدولة بصفتها ممثلة لمجموعات المصالح الخاصة لا بصفتها مديراً محايداً للمصلحة العامة”.
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي د.طالب سعد أن “لكل سلعة رسم جمركي معين وذلك بحسب نظام الجمارك والاتفاقات والعقود التجارية، وقد أتى الدولار الجمركي كبدعة إضافية بذريعة تأمين موارد مالية لخزينة الدولة وتحديد أسعار السلع المستوردة، وهي رسوم يدفعها المستورد مقابل الإفراج عن بضائعه، والدولار الجمركي عادة ما يتأثر بتغير الطلب والعرض وحاجة السوق والسياسيات المتبعة وأمور أخرى”.
ويقول سعد: “في لبنان كان للدولار الجمركي سلبياته الواضحة كسائر القرارات غير المدروسة في الاقتصاد والمجتمع حيث يتم تحديده وفقاً لسعر صرف الدولار المتقلب في سوق تلفّه الفوضى المستمرة دون ضبط أو خطة”.
ويضيف: “اليوم جميع التجار يحددون أسعارهم بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية، فإذا كان سعر سلعة ما 100 دولار فسيصبح سعرها بعد خضوعها للدولار الجمركي 105 دولارات في حال كان الرسم الجمركي ٥ % على سبيل المثال لا الحصر، في حين أن فئة من التجار المحميين والمحظيين سيتهربون من الرسوم الجمركية أو يتلاعبون بتفاصيلها بهدف تخفيف الرسوم على بضائعهم وهو ما يستفيد منه النافذون، ومن هنا تبدأ عمليات التهريب والغش والتلاعب لدى بعض التجار وهذا يؤثر بطبيعة الحال على الصناعة الشرعية في المؤسسات التي تصرح عن مداخيلها”.
ويختم بأسف: “في لبنان مؤسسات أصبحت معفية وأخرى مجبرة على دفع الرسوم الجمركية وذلك عن طريق الغش وعدم سيادة القانون وعدالة الإدارة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |